التجربة التونسية فى الأمن والمرورأحمد منصور
حينما قامت الثورة التونسية، كان جهاز الشرطة والأمن من أبغض الأجهزة للشعب التونسى،
تماما مثل الشعب المصرى والليبى وباقى الشعوب العربية الأخرى؛ فقد استُخدم جهاز الأمن والشرطة
من أجل حماية تلك الأنظمة الفاسدة، وقامت هذه الأجهزة بصناعة الكراهية الشديدة لها من قبَل الشعب،
وأصبحت المشكلة الرئيسية فى هذه الأقطار، وعلى رأسها مصر، بعد نجاح الثورات بها
هو كيفية عودة الأمن والنظام إلى الشارع، والأمن والنظام لن يعودا بغير رجل الأمن، غير أن رجل الأمن
يحظى بالكراهية ولا يستطيع، فى كثير من الأحيان، أن يقوم بعمله، وكما كان مقر وزارة الداخلية وأمن الدولة
فى حى لاظوغلى فى القاهرة يحظى بكراهية المصريين ومخاوفهم،
كان مبنى وزارة الداخلية التونسية فى شارع الحبيب بورقيبة يحظى بنفس الشعور بالكراهية.
ما حدث فى تونس بعد نجاح الثورة وفرار بن على هو أن رجال الأمن الذين كانوا يرهبون الشعب
أصبحوا لا يستطيعون مواجهة الناس فى الشوارع، كما عجزوا عن تنظيم المرور أو القيام بالدوريات،
تماما كما حدث ومازال يحدث إلى الآن فى مصر، حيث أصبح سائقو سيارات الميكروباص والنقل
الذين كان أصغر أمين شرطة فى مصر يرعبهم ويفرض عليهم «فِردة» مالية يومية لم يعد
حتى الضباط يجرأون على مواجهتهم، وأثبتت الفترة الماضية حجم الفوضى القائمة
والعجز المزرى لوزير الداخلية عن تحقيق أى انضباط فى الشارع.
ما سوف أرويه هنا هو نتاج متابعتى للثورة التونسية وتداعياتها؛ حيث زرت تونس عدة مرات فى أعقاب الثورة
وقضيت فى بعض المرات أربعة أسابيع كاملة أجوب البلاد شرقاً وغرباً حتى إننى قطعت بالسيارة
عدة آلاف من الكيلومترات وأنا أتعقب مسيرة الثورة التونسية من سيدى بوزيد حتى تونس ولم أشعر بالفوضى أو الخوف،
وذلك فى إطار تحضيرى لحلقات برنامج «شاهد على الثورة»
التى تُبث الآن على شاشة قناة الجزيرة فى إطار برنامج شاهد على الثورة.
فالمشكلة التى مازالت مصر غارقة فيها منذ قيام الثورة والمتمثلة فى جرأة الشعب على الشرطة وعجز الشرطة
عن إقرار الأمن حلتها تونس من اليوم الأول فأعادت الهيبة بسرعة للشارع، ما كنت أرى ضابط شرطة
أو جندى مرور وحده على الإطلاق، كانوا دائما أكثر من جندى، ولم يكونوا وحدهم، دائما معهم سيارة وقوة من الجيش
تقف إلى جوارهم ولا تتدخل فى عملهم، فقط تحميهم وتضفى على وجودهم الهيبة وتفرض سطوة وسلطة الدولة
التى هى غائبة فى مصر الآن إلى حد بعيد، وبالتالى فإن عودة الاستقرار والأمن فى مصر لن تقتصر على دور الشرطة وحدها،
يجب أن يكون الجيش شريكا دون تدخل، وبالتالى فإن الرئيس محمد مرسى الذى وضع المرور والأمن
على رأس أولوياته يجب أن يدرك أنه لن يعيد الأمن للشارع عبر الشرطة وحدها، وهو يظلم جهاز الشرطة
إن رمى عليه العبء وحده، فوزير الداخلية مهما كانت سطوته لا يستطيع أن يجبر الضباط على أن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة،
وليس هناك ما يحميهم، فالقانون لا يحمى الضابط إن أطلق النار على مسجل خطر أو حامل سلاح،
وأصبح يتحول إلى متهم. من ثم يجب تفعيل قوانين تحمى الضباط، وفى نفس الوقت تسيير دوريات مشتركة
من الجيش والشرطة تضفى الهيبة وتزيل الفوضى القائمة فى الشارع، ليس هناك أى حافز يدفع أى ضابط
ليضحى بنفسه أو يواجه البلطجة القائمة من سائقى الميكروباص والنقل، فالطريق الدائرى أصبح طريق الموت،
وأصبحت سيارات الميكروباص والنقل تمشى عليه بسرعة تزيد على مائة وعشرين كليومتر
فى الساعة دون رادع أو حسيب وتنشر الموت والرعب.
إذا كان هناك رغبة حقيقية فى عودة الأمن فيجب أن تنزل الشرطة بقوة فى حماية الجيش إلى الشارع،
وإلا فإن المائة يوم، وربما المائة أسبوع أو المائة شهر القادمة،
سوف تمضى بينما يمارس المصريون الفوضى التى يعشقونها والتى رسخها نظام الفوضوى
مبارك طوال العقود الماضية، القانون والردع والهيبة أساس عودة النظام للشارع المصرى
والحل سهل وطبقه غيرنا لكنه بحاجة لإرادة وقرار.