[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مبارك و«راموش» (1) [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مجدى الجلاد
كان صباحاً كئيباً فى القصر.. استيقظ «مبارك» متثاقلاً، بينما لم تغفل
«سوزان» دقيقة واحدة.. كانت عيناها متورمتين من فرط البكاء.. وكان هو
متجهماً، رغم محاولاته اصطناع التماسك.. كان كلاهما يدرك أن هذا هو اليوم
الأخير فى قصر الرئاسة.. هى لا تعرف ماذا سيجرى.. وهو لم يخبرها باتفاقه مع
«المشير ورئيس الأركان».. سوف يذهب مع أسرته إلى شرم الشيخ، بعد أن رفض
السفر إلى دولة أخرى!
قال لها: «لا داعى لحمل حقائب كثيرة.. سوف نرسل أى مندوب إلى
القاهرة لإحضار ما نحتاجه.. هناك - فى شرم - سنكون أكثر أمناً!!».. لم تعلق
«سوزان» وواصلت البكاء.. أما هو فقد نهض ببطء، وطلب من أحد العاملين فى
القصر إحضار حقيبة كبيرة.. قالت له: «لا تشغل نفسك.. سأجمع ملابسك
الضرورية».. فرد: «الحقيبة ليست للملابس.. سأضع فيها أعز مقتنياتى.. لا
أريد شيئاً ثميناً.. أعرف أنهم لن يسمحوا بذلك.. لذا سآخذ معى هدايا وأشياء
لها ذكريات لا أريد أن أنساها»!
سريعاً.. وضع «مبارك» أشياءه فى الحقيبة.. وطلب من الحراس وضعها على
متن الطائرة المتجهة إلى «شرم الشيخ».. كانت الطائرة تحلق على ارتفاع
منخفض.. أرسل «مبارك» نظرة محايدة إلى الصحراء القاحلة.. فلم يستطع إلقاء
المرارة التى بداخله إلى الصحراء.. «الشعب المصرى ناكر للجميل.. فرعونى
مفترى.. كيف فعل ذلك.. حتى أصدقائى ورجالى وأبنائى.. كلهم باعونى.. كلهم
خانونى»!
كاد يبكى من فرط المرارة، وهو الذى لم يدمع طوال حياته.. قفزت
الذكريات إلى عينيه وذهنه.. ثلاثون عاماً تمر لحظات وفلاشات.. تذكر رجاله
وهم يؤدون الصلاة بين يديه.. تناهت إلى أذنيه هتافات الجماهير باسمه
وبطولاته وزعامته، ولكن سرعان ما خفتت فى مواجهة صيحات التحرير «ارحل..
ارحل»!
صعدت المرارة إلى حلقه، وكادت تخنقه.. هرب من المرارة إلى ذكريات
الأصدقاء القدامى.. لمعت عيناه، حين استعاد مشاهد ترويضه للقذافى المتهور..
وتذكر أن فى الحقيبة سيفاً عربياً مذهباً، أهداه له الأخ العقيد فى أعياد
أكتوبر.. شعر بالحنين حين رأى صورة الملك فهد، وهو يمنحه مصحفاً ملفوفاً فى
قطعة كبيرة من كسوة الكعبة المشرفة.. تسربت إلى قسماته ابتسامة خفيفة، حين
تذكر مداعبات الملك حسين عاهل الأردن، كانا يجلسان طويلاً فى المباحثات
الثنائية أمام الوفود والعدسات، ثم ينفردان فى جلسات دردشة أطول.. تذكر حين
كان فى «عمان» ذات مرة.. جاء كبير المساعدين فى قصر الملك، وهمس فى أذنه،
فضحك الملك، وقال لـ«مبارك»: هل لك فى المقتنيات الأثرية؟ فرد مبارك:
طبعاً!
هبطت الطائرة فى «شرم الشيخ».. لحظات قليلة وكان مبارك وأسرته فى
القصر الفخيم.. كان كل شىء جاهزاً لاستقبالهم.. كانت ساعات ثقيلة على
الجميع.. مبارك يجلس وحيداً والغضب يقفز من عينيه.. جمال وعلاء يتبادلان
نقاشاً بين اللوم الشديد لما فعله «جمال» بالأسرة، ومحاولة التفكير فيما هو
قادم.. وحدها «سوزان» كانت تتابع المحطات الفضائية بسخط شديد على ما يقال
عن فترة حكم زوجها!
أسدل الليل ظلامه على المكان.. لا يزال «مبارك» جالساً دون حركة..
عبثاً حاولوا إقناعه بتناول الطعام.. طلب منهم أن يتركوه وحده.. جاء منتصف
الليل، فنهض متثاقلاً، وفتح الحقيبة، والتقط ما بها.. سيف القذافى.. مصحف
فهد.. والمصباح الأثرى الذى أهداه له الملك حسين فى ذاك اليوم.. كانت
الأردن قد أجرت حفريات فى منطقة «البتراء» التاريخية، فعثر العلماء على قطع
أثرية فى بطن الأرض.. ولأنها مملكة ذهبت القطع إلى القصر الملكى، فقرر
الملك حسين إهداءها لزعماء العالم!
نظر مبارك إلى المصباح، ليكتشف أنه تحفة حقيقية، واكتشف أيضاً أنه
لم ينظر إليه منذ ذاك اليوم.. «آه.. كنت مشغولاً دائماً».. وقبل أن يكمل
الجملة، دوت فى المكان صرخات حادة.. كان جمال وعلاء يتشاجران، قفز «مبارك»
سريعاً لإنقاذ الموقف، فسقط من يده المصباح، وصعد منه دخان كثيف فى
الغرفة.. تسمر الرجل مكانه، وهو يرى الدخان يتشكل فى هيئة جسد ضخم!