الكتاب المدرسي.. هل يسترد عرشه؟
تحقيق: أمل إبراهيم سعد
من يعيد العرش إلي الكتاب المدرسي بعد أن فقده لسنوات بعيدة؟ لقد عاش ملكا متوجا ومصدرا أساسيا للمادة العلمية التي يتلقاها الطالب في مختلف المراحل التعليمية إلي أن دخل في صراع محتدم مع امبراطورية الكتب الخارجية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وخرج منه مهزوما صفر اليدين.. ليصبح مجرد كتاب يلتزم الطالب بإحضاره يوميا حتي لا يتعرض للعقاب؟ وارتضي بهذه الوظيفة الصورية لسنوات طويلة برغم تصريحات المسئولين قبل أية امتحانات بأنها لن تأتي إلا من كتاب الوزارة.. ولكن أين هو؟
الآن وبعد الحرب الشعواء التي شنتها وزارة التربية والتعليم علي الكتب الخارجية في محاولة جادة وصريحة لزعزعة مكانتها.. هل تسنح الفرصة أمام الكتاب المدرسي لكي يسترد عرشه..
ذلك هو ما تحاول السطور التالية الإجابة عنه من خلال كل الأطراف المعنية..
البداية كانت لابد أن تكون مع الطلاب أنفسهم بإعتبارهم أصحاب المشكلة فهم المتعامل الأول مع الكتاب المدرسي والأقدر علي توصيف مشكلته وهو ما يعبر عنه رامي حسن طالب بالصف الثالث الثانوي قائلا إن المشكلة في طريقة العرض المعقدة التي يتسم بها الكتاب المدرسي إلي الحد الذي يجعله بالنسبة لنا أشبه بالطلاسم في كثير من الدروس ناهيك عن عدم وجود تنوع وتعدد في الأسئلة والتدريبات لذلك كان من الطبيعي أن نجد ضالتنا في الكتب الخارجية التي تتسم بالثراء الشديد فيما يتعلق بالتدريبات والتطبيقات الخاصة بكل درس وهو الأمر الذي نحتاج إليه بشدة خاصة في الثانوية العامة للتعود علي الأسئلة بأنماطها وأشكالها المختلفة.. ومن هنا فإن تطوير طريقة العرض والشرح في الكتاب المدرسي أهم المتطلبات لكي يسترد عرشه الذي افتقده علي مدي سنوات عديدة.
وجهان لعملة واحدة
نفس الرأي يتفق معه أولياء الأمور حيث تشير هناء أحمد ولي أمر تلميذ في المرحلة الابتدائية إلي أن الدروس الخصوصية والكتب الخارجية وجهان لعملة واحدة واللجوء إليها يؤكد إخفاق الكتاب المدرسي ومدرس الفصل في توصيل المعلومة بشكل واضح وسلس للتلميذ خصوصا في المرحلة الابتدائية.. وبالفعل أصبح الكتاب المدرسي مصدرا لتدريس مناهج ممتلئة بالحشو والتكرار اللذين لا معني ولا طائل من ورائهما.. لذلك فالحل هو اعادة النظر سريعا في محتوياته مع ضرورة أن يتضمن بنكا للأسئلة بكل مستوياتها مع تقديم المعلومات في عرض شيق يثير الإنتباه خاصة لتلاميذ المرحلة الابتدائية..
أخطاء فادحة
المعلمون أيضا هم المتعاملون الأوائل مع الكتاب المدرسي ولهم رأي في كيفية استعادته لمكانته الأولي حيث يري محمد رمضان مدرس دراسات اجتماعية أنه قبل أن نفكر في الاجابة عن هذا السؤال لابد أن نوجه نظرة خاصة لكتب الصفين الثالث الاعدادي والسادس الابتدائي اللذين تم تطويرهما هذا العام وهي الآن بين أيدي الطلاب لنري بما لا يدع مجالا للشك أن السيرة الأولي التي كانت عليها الكتب قبل التطوير أفضل بكثير منها بعده بعد أن امتلأت بكم غير منظم من المعلومات بحيث يدرس التلميذ الست قارات معا في تداخل سييء وغير منتظم عما كان من قبل.. ناهيك عن المعلومات المغلوطة التي تحتوي اضافة معلومات جديدة لمادة التاريخ من سنوات تالية للصفين السادس الابتدائي والثالث الاعدادي..
هل من المنطقي أن نسعي الآن جاهدين لتصحيح المعلومات الواردة في الكتاب المدرسي في حين أنه في حقيقة الأمر المصدر الأول للمادة العلمية بالنسبة للطالب؟ إن التدرج في الاستغناء عن الكتاب الخارجي كان مطلبا أساسيا لفترة نعيد خلالها النظر إلي الكتاب المدرسي بعين فاحصة لنقدم تطويرا حقيقيا في شكله ومضمونه.. ولكن الوضع الحالي سيخلق مزيدا من التكالب علي الدروس الخصوصية وستنتعش سوقها دون شك كبديل عن الكتاب الخارجي.. وأيضا سيظل الكتاب المدرسي بعيدا عن أيدي الطلاب..
معلومات مبتورة
سعد عبد الرحمن مدرس لغة عربية يؤكد من جانبه وجود قصور شديد في الكتاب المدرسي فالمعلومات مبتورة وقاصرة وليست كافية للطالب علي الاطلاق فهناك فقر شديد علي سبيل المثال في الصور البلاغية ومعاني المفردات في كتب اللغة العربية في حين أن الطالب يكون مطالبا بها ولذلك فمن البديهي أن يبحث عنها في الكتب الخارجية. كما أن الكتاب المدرسي يفتقر أيضا إلي عناصر التشويق وكثرة وتنوع الأسئلة..
ومن نفس عناصر المشكلة يمكن أن نأتي بالعلاج لكتاب المدرسة الذي يجب أن يعتمد فقط علي أساتذة الجامعات في تأليفه نظرا لأنهم لم يمروا بالتجربة العملية في التدريس وبالتالي يكون اعتمادهم علي المراجع والعبارات الرنانة بصورة واضحة.. لذلك يجب أن يشترك معهم في وضع الكتاب معلمون يقومون بتدريس المادة.. كما يجب إزالة اللبس الواضح حول كتاب القواعد الأساسية المقرر علي طلبة المرحلة الثانوية الذي وضعه مؤخرا مؤلف كتاب خارجي معروف ليأتي بنفس طريقة الشرح والأمثلة الموجودة فيه فيكون بمثابة كتاب خارجي ولكن في ثوب وزاري..
الخبراء يتحدثون
د. كوثر كوجك مدير مركز تطوير المناهج السابق تضع روشتة العلاج في جملة واحدة وهي أن يعاد الكتاب المدرسي إلي ما كان عليه في وقت سابق وتوضح ذلك قائلة أن الشواهد التاريخية تؤكد جدارة الكتاب المدرسي إذا ما تم الاهتمام به وبالفعل فقد كان ذلك يحدث منذ سنوات قليلة ماضية حيث قمنا بزيادة كم التدريبات والأنشطة التطبيقية التي تأتي في نهاية كل درس وفي نهاية الوحدة ككل بحيث تكون شاملة لكل ما جاء بها وبالتالي لن يحتاج الطالب إلي أي تدريب علي الأسئلة بعد ذلك فقد تحقق له الاكتفاء الكامل منها..
وبعد فترة بدأت تعلو صيحات تعارض هذا الوضع نظرا لتضخم حجم الكتاب المدرسي وزيادة عدد صفحاته( نتيجة زيادة الأنشطة والتطبيقات المشار إليها) مما تسبب في زيادة حمولة الحقيبة المدرسية وبالتالي تعالت صيحات أولياء الأمور مطالبين بضرورة التخفيف من حمولة الكتب.. وهنا كان لابد أن تكون هناك وقفة للمراجعة وإختصار كم التدريبات والأنشطة من الكتاب المدرسي وعمل كراسة منفصلة لهذه الأنشطة تشمل تدريبات علي كل درس وكل وحدة وأسئلة عامة في نهاية الكراسة وبذلك تحقق الغرض أيضا دون أية مشكلات وتقلصت إحتياجات الطلاب للكتاب الخارجي خاصة بعد إضافة عنصر ثالث تمثل في كراسة خارجية أخري تسمي طريق التفوق تتضمن أسئلة أخري متنوعة تغطي الوحدات التي تتم دراستها وتقيس المستويات العليا للتفكير وتقدم الأنشطة والتدريبات علي ما تتم دراسته في الكتاب المدرسي..
وقرر د. حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم آنذاك أن تكون كراسة الأنشطة مجانية وأن تباع كراسة طريق التفوق في مقابل سعر رمزي جنيهين ونصف الجنيه لمن يريد من الطلاب..
وبالفعل تحقق الهدف وحدث تهافت ضخم من قبل الطلاب علي شراء طريق التفوق وكادت دور النشر التي تصدر الكتب الخارجية أن تغلق أبوابها في ذلك الوقت بعد أن وصل حجم المرتجع منها إلي60%!! وبالتالي حدثت الوفاة الطبيعية للكتاب الخارجي بل أننا لا نبالغ إذا قلنا اننا بالفعل تلقينا تهديدات من أصحاب دور النشر بعد أن كسدت تجارتهم.. ولا يجب أن تغفل هنا الدور الذي كان يلعبه دليل المعلم أيضا الذي يشرح له كيفية إستخدام طريق التفوق وكراسة الأنشطة..
بداية النهاية
واستمر هذا العصر الذهبي للكتاب المدرسي وملاحقه لعدة سنوات كما تضيف د. كوثر كوجيك إلي أن حدثت ضائقة مالية تتعلق بنفقات الطباعة فتم الاستغناء عن طريق التفوق وتم اضافة بعض الأنشطة والتدريبات من كراسة الأنشطة ودليل المعلم إلي الكتاب المدرسي.. وبذلك كأنما تمت محاربته لصالح الكتاب الخارجي الذي يعتمد في المقام الأول علي قياس مستويات التذكر فقط لدي الطالب ولا يمكننا توجيه اللوم إليه في ذلك حيث يعتمد مؤلفو هذه الكتب علي نوعية الأسئلة التي تأتي في الإمتحانات لذلك فإن الحل من وجهة نظرنا ـ والكلام لا يزال علي لسان المدير السابق لمركز تطوير المناهج ـ يكمن في ضرورة عودة الكتاب المدرسي إلي سابق عهده من حيث الاهتمام به وعودة دليل المعلم وكراسة الأنشطة وطريق التفوق فهذه المنظومة المتكاملة تتماشي مع التدرج المعرفي بكل مستوياته من حيث التذكر والفهم والتطبيق والتحليل والتقييم والإبداع والي جانب ذلك لابد من وجود المعلم الذي يهتم بكيفية تقديم محتوي هذا الكتاب للطلاب.. أما فيما يتعلق بطريقة عرض هذا المحتوي فهي إما تعتمد علي طريقة السرد ثم تحديد معلومات مختصرة عن الموضوع أو إثارة مشاعر الطالب نحو الموضوع أو طرح تساؤلات مثل ماذا لو كان نهر النيل غير موجود في مصر؟ والإجابة بالقطع هي محتوي الدرس نفسه.. ولا يجب أن نغفل في النهاية أن تطوير الكتاب المدرسي يرتبط إرتباطا وثيقا بنوعية الأسئلة التي تأتي في الإمتحان فهي يجب أيضا أن تعتمد علي الفهم والتطبيق.
التعليم ليس هو الهدف
د. محمد المفتي أستاذ المناهج وطرق التدريس والعميد السابق لكلية التربية جامعة عين شمس يشير من جانبه إلي أن الهدف من العملية التعليمية هو إعداد النشء للحاضر والمستقبل وذلك عن طريق تزويده بمجموعة من المعلومات بمجموعة من المعلومات والمعارف والمهارات والقيم الموجبة واساليب التفكير والقدرة علي حل المشكلة.. وإذا قمنا بالنظر إلي الكتاب المدرسي من جهة والكتاب الخارجي من جهة أخري نجد أن الأول يحقق الهدف من العملية التعليمية المشار إليها أما الآخر فهو يعد الطالب لإجتياز الامتحان.. ولما كان التركيز من قبل أولياء الأمور والطلاب ينصب علي هذا الهدف لذلك فقد وجدنا الكتاب الخارجي يكتسب أهميته ووزنه وتتزايد معدلات الإقبال عليه.. ولكي نعدل أو نصحح المسار فيجب ألا يكون الهدف من العملية التعليمية هو مجرد إعداد الطلاب لإجتياز الإمتحان إنما ينبغي أن يكون الهدف هو تعليم النشء وتزويدهم بما يساعد علي العيش في المجتمع في الوقت الحاضر وللمستقبل وهو ما ينقل الإهتمام والتركيز من الكتاب الخارجي إلي الكتاب المدرسي.. وبالقطع فإن المعلم في الفصل أفضل كثيرا من الإعتماد علي كتاب خارجي الذي يفك شفرة الامتحان ولا يقدم تعليما.. ولا يتعارض ذلك مع إعترافنا بوجود سلبيات في الكتاب المدرسي أهمها قلة الأسئلة والتدريبات وعدم تنوع أفكارها.. ولعل العلاج الأفضل له يتمثل في القضاء علي هذه السلبيات بالإضافة إلي أهمية عدم التكرار وإزالة التفصيلات التي لا لزوم لها.. مع التركيز علي المفاهيم الأساسية والتأسيسية في كل مقرر من المقررات..
التحديث المستمر.. ضرورة
د. مصطفي كمال أستاذ الفيزياء.. بجامعة المنصورة ورئيس لجنة تأليف كتاب الفيزياء للثانوية العامة يلفت النظر إلي جزئية علي درجة عالية من الأهمية وهي أهمية تحديث الكتب المدرسية مرة كل خمس سنوات علي الأقل.. فهذا الأمر نفتقر إليه تماما ويكفي أن نشير إلي أن كتاب الفيزياء للثانوية العامة تم تحديثه مؤخرا في عام2006 بعد أن ظل قرابة25 عاما لم تمسه يد التطوير والتحديث!! وهذا أمر في منتهي الخطوره خصوصا في مادة علمية وفي ظل ما نشهده من تطورات هائلة يوميا في مجال التكنولوجيا والعلوم الحديثة.. فالظاهرة العلمية كان يتم اكتشافها قديما ويتم تطبيقها بعد ما يقرب من20 عاما أما الآن فإنه يتم اكتشافها ويتم تطبيقها في اليوم التالي مباشرة..
ولا يجب أن نغفل هنا أن التعديل الذي حدث كان مكتملا يتوافق مع الواقع في حينه سنة2006 ولكن الآن وبعد مضي4 سنوات فإن هناك بعض الأشياء التي تحتاج إلي تغيير في فروع الفيزياء كدرجات التجريد وتطبيقاتها علي سبيل المثال.. لذلك فإن التحديث المستمر ضرورة بالغة الأهمية مع أهمية عودة دليل التقويم الذي تعده لجنة من الموجهين وأساتذة الجامعات المتخصصين في الدراسات العلمية والاجتماعية..