[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] د.عماد جاد
حتى عقد الثمانينيات من القرن الماضى، أى قبل نحو ثلاثة عقود، كانت دول أمريكا اللاتينية
تتبوأ مكانتها فى قلب العالم المتخلف سياسيا واقتصاديا، فقد كانت غالبية نظم الحكم فى دول أمريكا اللاتينية
غير ديمقراطية، بل إن معظمها كان يقبع تحت حكم العسكر سيئ السمعة، وكانت نظم الحكم تقمع المعارضة بكل قسوة،
وكانوا يلقون بالمعارضين فى قلب المحيط بعد وضعهم فى شِباك، ثم تحملهم طائرات الهليكوبتر العسكرية لتلقى بهم
فى قلب المحيط، وبعض النظم هناك قامت بتصفية المعارضين جسديًّا عبر التخلص منهم بطرق شتى.
وتعتبر ظاهرة «المختفين» من الظواهر المتكررة فى دول أمريكا اللاتينية، حيث قام الحكام العسكر هناك
بخطف معارضين والتخلص منهم دون أن يتركوا لأىٍّ منهم أثرا. ومن بين المختفين رجال سياسة وقانون،
بل نساء وأطفال. كانت غالبية هذه النظم مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، فواشنطن كانت الحليف الرئيسى
للعسكر هناك، أمدّتهم بالسلاح وأدوات التعذيب، ووفرت لهم الحماية السياسية الدولية
بأن حصّنتهم فى مواجهة أى محاولة للمحاسبة الدولية. حصلت واشنطن من هؤلاء الحكام على تعهّد واضح
بحماية المصالح الأمريكية ومواجهة أى محاولة لانتشار النفوذ السوفييتى، ومقابل ذلك تولت حمايتهم ودعم نظم
حكمهم وسيطرتهم على شعوبهم. كانت واشنطن وراء عملية قتل رمز الوطنية فى تشيلى سيلفادور الليندى،
ودعمت مدبر عملية قتله والانقلاب عليه الجنرال بينوشيه، ساندت الأخير ووفرت له كل أشكال الدعم والمساندة
لقاء خدمة المصالح الأمريكية. نفس الأمر تكرر فى بنما مع الجنرال مانويل نورييجا، فقد ساعدته فى مواصلة تجارة
الكوكايين، وكانت تنقله له خارج بلاده بالطائرات العسكرية الأمريكية التى كان تصل إلى بنما حاملة السلاح الأمريكى
إلى مقاتلى الكونترا اليمينية التى كانت تحارب نظام الساندينستا اليسارى فى نيكاراجوا،
كان الجنرال نورييجا يقوم بتوصيل السلاح الأمريكى إلى مقاتلى الكونترا، وكانت واشنطن تدعم نظام حكمه
وتساعده فى تجارة الكوكايين بشرط أن يقوم ببيعه فى أوروبا أو بعيدا عن الأراضى الأمريكية،
وعندما سقط نظام الساندينستا بعد سقوط الاتحاد السوفييتى، ألقت القوات الأمريكية القبض على نورييجا
ووضعته فى سجن بولاية فلوريدا الأمريكية، لأنه لم تَعُد فى حاجة إليه، وهو رفض وقف الاتّجار فى الكوكايين،
فقد ساعدته واشنطن فى تجارة الكوكايين، لأنه كان يساعدها فى التصدى للنفوذ الشيوعى فى أمريكا اللاتينية،
أما وقد سقط النظام اليسارى فى نيكاراجوا، فقد انتهت الحاجة إليه وعليه أن يوقف تجارة الكوكايين،
رفض نورييجا، فكان قرار واشنطن بغزو بنما واعتقال نورييجا ومحاكمته أمام محكمة فى فلوريدا
التى قضت بسجنه، وهو يقبع حاليا فى أحد سجون ولاية فلوريدا يقضى فترة العقوبة.
كانت نظم الحكم فى باقى دول أمريكا اللاتينية غير ديمقراطية، لم تكن هناك حقوق للإنسان، بل كانت حقوقه منتهَكة
وعلى نطاق واسع، لم تكن هناك أى من عناصر الديمقراطية، فقد هيمن العسكر على السلطة تماما فى غالبية
دول أمريكا اللاتينية، وفى الدول التى لم يهيمن عليها العسكر، وكانت تأخذ ببعض ملامح الديمقراطية،
كان الفساد مستشريا فى كل قطاعات الدولة، وكانت حقوق الإنسان تُنتهَك بشكل منهجى.
أما من الناحية الاقتصادية فقد كانت هذه الدول رغم ثراء بعضها تعانى من الفقر والبطالة والتضخم،
بل إن كثيرا من دول أمريكا اللاتينية كانت على شفا الإفلاس، ونذكر هنا أن عملاق أمريكا اللاتينية،
البرازيل كانت مرشحة لإشهار إفلاسها عبر الإعلان عن العجز عن سداد الديون فى منتصف الثمانينيات.
كانت دول أمريكا اللاتينية دولا غنية بالموارد الطبيعية والثروات الهائلة، ورغم ذلك كانت شعوبها فقيرة تئن
من الفقر، وكانت العشوائيات منتشرة على نطاق واسع فى غالبية هذه الدول، فقد تعاون الحكام من العسكر
مع الأمريكان فى نهب ثروات هذه الشعوب، وكانت النتيجة إفقار أمريكا اللاتينية ونهب ثرواتها على أيدى مجموعات
حاكمة كانت أقرب إلى العصابات، ومن خلال التعاون مع الإدارات الأمريكية المختلفة. السؤال هنا:
كيف نهضت دول أمريكا اللاتينية وهزمت التخلف وبَنَت تجربة رائدة فى التطور الديمقراطى والتنمية الاقتصادية؟