[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الدستور اللى لا مؤاخذة أولاً! معتز بالله عبد الفتاح
«الدستور عمره ما يكون أولاً» هذا كان ردى على صديقى محمد الميكانيكى الذى سألنى: «هو إحنا ليه ما عملناش الدستور أولاً؟»
قلت له، كما قلت من قبل كثيرا ولكن يبدو أن صديقى مثل الكثيرين
الذين لا يقرأون إلا ما يستهويهم، «إن افتراض الدستور أولاً يعنى أن
الدستور حاجة ضائعة ممكن نبحث عنها تحت السرير أو فوق الدولاب أو فى جيب
واحد مننا، الدستور حاجة بتتعمل زى الدواء التركيب، إذن لا بد أولاً أن
نجيب عن سؤال: من الذى سيكتبه؟ ثم نكتبه، إذن عملية كتابة الدستور بالضرورة
لاحقة على تحديد من يكتبه، يعنى عمره ما يكون أولاً».
بدا صديقى مقتنعا؛ لكنه حائر، فسأل مرة أخرى: «أمال الناس اللى عايزين الدستور -لا مؤاخذة- أولاً، كانوا قصدهم إيه؟».
«كان قصدهم إن إحنا نعمل أى حاجة تخلى كتابة الدستور توافقية وألا
تكتبه الأغلبية» هذا كان ردى عليه، «طيب إزاى يعنى؟» سأل صديقى الميكانيكى،
قلت له: «هناك ثلاثة طرق فى العالم لكتابة الدساتير: إما لجنة يعينها
الرئيس أو الملك أو المجلس العسكرى فى حالة مصر أو حتى البرلمان، أو جمعية
منتخبة مباشرة من الشعب مثل تونس (وعادة لا يكون هناك استفتاء بعدها)، أو
جمعية منتخبة على درجتين (برلمان ثم ينتخب البرلمان الجمعية) ويكون بعدها
استفتاء».
«طيب صحيح، فى كل الأحوال الدستور لازم يكون بعد تحديد من اللى
يكتبه، بس أى طريقة أحسن» سأل صديقى وهو يرتشف شيئاً من الشاى ومنتظراً
ردى.
«ما فيش طريقة أحسن من الثانية، كل طريقة لها مميزات وعيوب، المهم
أن ما نتفق عليه نلتزم به، لو قررنا أن نختار أى طريقة ونكمل على أساسها
حتى النهاية أفضل من تغييرها بعدما نبدأ؛ لأن كل طريقة ستكون منحازة نسبيا
للجهة التى اختارتها» هذا كان ردى على سؤاله.
«طيب دلوقتى الجمعية التأسيسية هتكمل ولا خلاص بِخ كده؟» كان هذا
سؤاله، وكان ردى: «الله أعلم، أنا أخشى أن مصر ستخرج من هذه المطارحات
والمماحكات القضائية لأن يتحول القضاة فى الثقافة العامة المصرية ليصبحوا
أقرب إلى قضاة السلطان على وزن مفتى السلطان بمنطق الدفاتر دفاترنا
والمأذون تبعنا».
سألنى صديقى: «بس هو المفروض فعلا إن الدستور يكون توافقى علشان
الناس كلها توافق عليه» ، قلت له: «الدستور الـ«لا مؤاخذة» التوافقى ده مثل
الدستور اللى لا مؤاخذة أولاً، كلاهما وهم فى مجتمع على هذه الدرجة من
الاستقطاب والإقصاء والتخوين والمراهقة السياسة. طبعا لا بد أن نحاول أن
نتوافق؛ لكن عمليا أغلب دساتير العالم فى النهاية وافقت عليها نسبة (عادة
فى حدود حاجة وستين فى المائة من المستفتين، ونسبة تعترض ونسبة تقاطع
وهكذا)، أنا لا أعرف دساتير مُررت بنسبة تتخطى التسعين بالمائة إلا فى
المجتمعات الاستبدادية، أنا عن نفسى سأرفض الدستور إن أبقى على الخمسين
بالمائة للعمال والفلاحين فى المجالس المنتخبة، وسأرفض استمرار مجلس الشورى
إن لم يتم إصلاحه وإعطاؤه صلاحيات حقيقية، وسأرفض الكلام عن السيادة لله؛
لأننا بهذا ننسب للحق سبحانه ما لم ينسبه لنفسه نصاً، والدستور ليس كتابا
فى العقيدة وإنما هو كتاب فى السياسة والقانون، وهكذا».
«يعنى هنعمل إيه لو المحكمة حلت الجمعية القائمة يوم الثلاثاء؟» سألنى صديقى.
قلت له: «يبقى كده الدستور الـ«لا مؤاخذة» التوافقى هيتعمل لا مؤاخذة أولاً».
قال لى: «تصدق أنا زهقت منك بجد، امشى من هنا ولمّا أتصل بك تانى ما تردش على».