طريق الرئيسخيرى رمضان
لا أحد يستطيع إنكار أن المجلس العسكرى أخطأ كثيراً،
وأن أخطاءه الكثيرة هى التى أوصلت البلاد إلى ما هى عليه الآن.
وما كان يجعلنا نتحمل المجلس أنه واجهة لقواتنا المسلحة التى نحبها ونفخر بها، فقبلنا القرارات الخاطئة والقاتلة أحياناً لسببين:
أن المجلس تحمل المسئولية فى وقت صعب وليست لديه خبرة سياسية، ولم يجد قوى سياسية على الأرض بعد انهيار الحزب الوطنى،
إلا الإخوان المسلمين، فتعامل مع المواقف السياسية بالقطعة، وتوالت الأخطاء التى أفقدته مؤيديه قبل خصومه.
أما السبب الثانى، فهو أن المجلس العسكرى سيعود حتماً إلى ثكناته بحسناته وأخطائه؛ لأن مصر بعد الثورة
لن تقبل حكماً عسكرياً واستمر الأمر هكذا حتى أتى حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون الانتخابات البرلمانية
وحل كامل لمجلس الشعب الذى يمثل أغلبيته حزبا الحرية والعدالة والنور، فما كان من المجلس العسكرى
إلا أن أعد وأخرج إعلاناً دستورياً مكملاً يستعيد به السلطة التشريعية قبل إعلان اسم الرئيس الفائز، وجاء الإعلان الدستورى
مستفزاً ومضطرباً يعكس حالة القلق من سيطرة الإخوان على كل المؤسسات ولو كان المجلس العسكرى
قد اجتمع مع القوى السياسية وناقش معها الوضع واتفقوا على صياغة مرضية للإعلان الدستورى المكمل
ما لامه أحد ولكنه استأثر بالقرار كما استحوذ على غضب أغلب القوى السياسية وجاء الدكتور محمد مرسى رئيساً،
وأدى اليمين الدستورية مرغماً أمام المحكمة الدستورية حسبما جاء فى الإعلان المكمل، وإن كانت النوايا واضحة
من أنه لن يستسلم وسينتزع صلاحياته بيده، وبدا هذا من أدائه القسم فى ميدان التحرير، ثم فى الجامعة
وإعلانه عن عودة المجالس المنتخبة وعودة الجيش إلى ثكناته، ورغم القلق الذى انتاب البعض،
إلا أن المؤشرات كانت تشير إلى أن الأمور تسير إلى الأفضل،
وأن الرئيس يسعى إلى التوافق والتصالح وإجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة، فالوضع سيئ ولا يحتمل الانتظار.
الرئيس مرسى لم ينتظر طويلاً،
وفاجأ الكثيرين بقرار عودة مجلس الشعب وما صاحبه من ردود فعل متناقضة ومخاوف متزايدة
وبعيداً عن صحة حكم الدستورية، فأنا لا أحبذ ولا أقبل اتهام القضاء بالتبعية،
وأرى أن خسائر قبول حكم تدور حوله الشكوك أفضل ألف مرة من إهداره وإسقاطه،
لأن القضاء لو سقط لسادت الفوضى، وأصبح لكل مواطن قوانينه الخاصة التى يقبلها أو يرفضها.
ومن هنا تأتى خطورة قرار الرئيس، فهو يرسى واقعاً مفزعاً، وواجه خطأ العسكرى بخطأ أكبر،
فالمجلس العسكرى عائد عائد إلى ثكناته، وقراراته تحتمل الخطأ، وكان كل الأمل أن يكون لدينا رئيس منتخب
يحترم شرعيته ويعلى من قيم الحرية واحترام أحكام القضاء حتى لو كانت خطأ، فكل شىء بين يدى الرئيس، وما ليس معه اليوم،
سيأتى له صاغراً غداً، وما كان غير متوقع مثل تحية المشير والفريق حدث بالفعل،
فلماذا التعجل واتخاذ قرار ينقسم حوله الفقهاء كما انقسم حوله الشعب؟
ولماذا ونحن على أبواب دستور جديد من جمعية تأسيسية مطعون عليها،
كنا نبحث عن توافق والتفاف حول الرئيس المنتخب ولكنه اختار طريقاً آخر قد يؤثر على مسيرة الديمقراطية
ويدفع بنا إلى مزيد من التفرق والصراع..
لا سامح الله كل من يفضل مصلحته على مصلحة الوطن المريض.