[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مخاطر فى طريق الدولة معتز بالله عبد الفتاح
بعضنا يقدم اقتراحات جيدة، ولكنها تغفل تعقيدات المشهد السياسى
الذى تتحرك الدولة فيه، وهو ما يجعل الإنسان يقف متعاطفاً مع مَن هم فى
موقع المسئولية، لأن من يقف على البر «عوّام» ولا يفكر فى النتائج غير
المقصودة لاقتراحاته. وهذا هو الفرق بين «البرنامج الانتخابى» لمرشح أو
رئيس وبين السياسة العامة للدولة وتشريعاتها. والأمر ليس مقتصراً على مصر،
فمثلاً من أكثر من 50 وعداً قدمها باراك أوباما فى أثناء الدعاية
الانتخابية، فإنه حقيقة أنجز ما يتجاوز النصف بقليل. لماذا؟ لأن تعقيدات
الحياة السياسية تعيق تنفيذ الوعود والعهود. ولكن على المسئولين أن يوضحوا
أسباب النجاح وعوامل الإخفاق.
وسأعطى مثالين محددين لفكرتين شائعتين وسهلتين على اللسان صعبتين عند التنفيذ لما لهما من نتائج غير مقصودة قد تفوق العائد المتوقع.
الفكرة الأولى، هى فكرة وضع حد أقصى للدخل الإجمالى فى القطاع
الحكومى، هذه الفكرة تمت مناقشتها أمامى العديد من المرات، ولكن يشير
المعارضون إلى أنها ستؤدى إلى مشاكل عديدة إن لم تدرس وتطبق بعناية، حيث إن
الفجوة بين مرتبات القطاع الحكومى والقطاع غير الحكومى، لا سيما فى
الشركات الخاصة والمؤسسات الدولية، ستجعل الكثير من الكفاءات الجادة يسعون
إلى الخروج من القطاع الحكومى إلى القطاع غير الحكومى بما سيفتح المجال إلى
«عسكرة» الكثير من المناصب العليا فى الحكومة. ولا شىء ضد المؤسسة
العسكرية يقيناً، ولكن وفقاً للقواعد المعمول بها حالياً فإن الكثير من
قيادات القوات المسلحة يخرجون على المعاش وهم فى الخمسينات من أعمارهم،
ويلتحقون بالعمل الحكومى ليجمعوا بين المعاش والراتب الإضافى الناتج عن
العمل الحكومى الذى يلتحقون به، وهذا وضع أمثل بالنسبة لهم. ولا أذيع سراً
إن قلت إن عدداً من الوزراء الحاليين يجدون أن وزاراتهم تدار عملياً من
قِبل عدد كبير من القيادات العسكرية السابقة فى مقابل عزوف واضح لأصحاب
الكفاءات المتخصصة من المدنيين للالتحاق بالعمل الحكومى لأسباب مختلفة ومن
ضمنها المقابل المادى. وهو ما جعل أحد السادة الوزراء يشير إلى أن «عسكرة
المناصب الحكومية» ستكون أول نتائج فكرة وضع الحد الأقصى للأجور.
الفقرة السابقة لا تعنى أننى أقف معارضاً للفكرة، ولكن فقط لا بد من
توضيح أن المسألة تحتاج دراسة جادة لأبعادها المختلفة حتى لا تؤدى إلى عكس
ما كنا نريده.
الفكرة الثانية التى لا أزال متحمساً لها رغماً عن العديد من
المخاوف التى يبديها المتخصصون فى القطاع الأمنى وهى فكرة تحويل كلية
الشرطة إلى معهد عالٍ يتم فيه تدريب خريجى كليات الحقوق على الأعمال
الشرطية لمدة عدة أشهر أو سنة توفيراً لنفقات وجهد تدريبهم لمدة أربع
سنوات. الفكرة جيدة من وجهة نظر البعض وقيلت كثيراً، ولكن من الناحية
العملية هناك تعقيدات. أولاً هناك حوالى 5 آلاف أمين شرطة حاصل بالفعل على
ليسانس الحقوق، وسيطالبون بالترقية إلى كادر الضباط، وهو ما ترى بعض قيادات
الداخلية أنه سيكون له أضرار بالغة على التماسك الداخلى فى الوزارة. وهناك
ثانياً، مشكلة أن «الداخلية» حين تتعامل مع طالب عمره 18 سنة فإنها تكون
أكثر قدرة على تشكيل وعيه الشرطى أكثر من خريج جامعة تشكلت شخصيته بالفعل
وربما يكون انتمى حزبياً أو أيديولوجيا بما يجعل الولاء للجهاز الشرطى فقط
مسألة صعبة. وغير ذلك من صعوبات لوجيستية كثيراً ما يشير إليها المتخصصون.
إذن: مشاكلنا ليست بديهية يمكن حلها بقرارات سريعة مُعلبة، لأن هذه القرارات يمكن أن تخلق مشاكل أكبر إن لم نحسن الدراسة والتقدير.
موضوع: مخاطر فى طريق الدولة 