[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لماذا إذن تخاصمني؟ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] فاطمة ناعوت
يطيبُ لي أن أبدأ زاويتي الأسبوعية بجريدة "الوطن"، الواعدة
بإذن الله، بمقال عن المحبّة. وهل أرقى منها فضيلة؟! أومنُ دومًا أن
المحبةَ بيننا كمصريين، هي الحلُّ الأوّل، والأسهل، للخروج مما وصلنا إليه
من تشرذم وانقسامات وتخبّط. حبُّنا مصرَ، وحبُّنا بعضنا البعض. ومن بين كل
ما كتبه الإنسانُ منذ ابتكر التدوينَ قبل آلاف السنين، لا أظن أن عبارةً
أكثرُ منطقًا وبساطة وإنسانيةً، من تلك التي خطَّها أحد أرقى الأقلام في
العالم: جبران خليل جبران، وشدَتْ بها أجملُ حناجر الكوكب: فيروز:
"الأرضُ لنا/ وأنتَ أخي/ لماذا إذن/ تُخاصمُني؟/ فهذي يدي/ هاتِ يدَك."
مدهشٌ للغاية أن يتخاصم اثنان لأن كلاًّ منهما يريد الشيءَ نفسَه،
في اللحظة نفسِها! مدهشٌ دهشةَ حوادث السيارات! في تجريد حادثة طريق؛ نجد
أن السيارتين المتصادمتين، كلتاهما أرادت أن تحتلَّ نفسَ البقعة من الأرض،
في نفس اللحظة! ولأن ذلك الحيّز من الأرض لا يسعُ إلا سيارةً واحدة، في
لحظة معينة، تتهشَّم السيارتان؛ ويموت مَن بها. فهل حين نتعارك على شيء ما،
نقلّدُ السيارات؟ أم تُرانا علّمنا السياراتِ العنفَ والنزاعَ والتهافت
على الصغائر؟! كلَّ يوم تجد اثنين يتشاحنان حول شيء، غالبًا ما يكون
صغيرًا، وغالبًا ما يمكن أن يستغنى عنه الاثنان، لكنهما يتعاركان! هذا
مدهش. الأكثرُ منطقية أن يتساجلَ الاثنان لأن كلا منهما يُصِرُّ على أن
يُعطي الآخر هذا الشيء، فيرفضُ هذا، ويرفضُ ذاك، كما يفعل الأهلُ
والأصدقاءُ والأحبّة. المنطقي أن يأبى الإنسانُ أن يكون أنانيًّا. لأن
الأنانية والأثرة والطمع صفاتٌ همجية، كافح الإنسانُ، مدى ملايين السنين،
لكي يتحررَ منها، عبر رحلته الشاقّة مع التحضرّ. ولهذا حين نشاهد أعمالا
تُصوِّر الإنسانَ البدائيّ، وكيف كان يخطفُ العظمة من أخيه حين يقرصه
الجوع، وربما قتله أيضًا، نشعر بالنفور والاشمئزاز! فكيف نفعل كلَّ يوم، في
الألفية الثالثة، ذات الشيء الذي فعله الإنسانُ الأول من قديم، ونسخر منه،
وننفر؟!
دعونا نردِّدُ كلماتِ جبران (بتصرّف): "ها مصرُ لنا/ وأنتَ أخي/
لماذا إذن/ تُخاصمُني؟/ فهذي يدي/ هاتِ يدَكْ./ حتى لا يحكمَكُم/ طُغاةُ
الأرض."