بسم الله الرحمن الرحيم
التقويم الشامل وتحديد الاحتياج التدريبي
التقويم عنصر مهم من عناصر العملية
التعليمية يقود بوصلة إبحارها، ويقيها من الانحراف عن مسارها و مستقرها
ومستودعها، ويضبط إيقاع تناغم العملية التعليمية وتكاملها في وحدة
واحدة،بحيث ترتبط عناصر مدخلاتها بنواتج مخرجاتها، وتصبح معه الخطط
التعليمية والتربوية واقعًا مشاهدًا متوقعًا لا خططًا ورقية تُقضى فيها
الجهود والأوقات والأموال لتكتب و لا تنجز.
وعند النظر إلى التقويم الشامل من
زاوية التدريب التربوي نجد أنه ُيشكل المنطلق الأساس لتحديد أو تخطيط أي
برنامج تدريبي، فهو يشكل محورًا مهمًا من محاور تحديد الاحتياج التدريبي.
والاحتياج التدريبي عملية تعني : تحديد النقص في المعارف أو المهارات أو
الاتجاهات المطلوب توفرها في الموظف أو المنظمة أو المجموعة. وتهدف -أيضًا -
إلى تحديد الفرق بين الواقع التعليمي والتعلمي للمعلم والطالب وبين
المأمول أو المطلوب تحققه من أهداف تعليمية في البيئة المدرسية.
وللاحتياج التدريبي أدوات وطرق
وأساليب كثيرة تهدف في مجملها إلى جمع المعلومات وتحليلها لتحديد الاحتياج
المناسب سواء للمعلم أو الموظف أو المدير. ومن تلك الأساليب أسلوب «اللجان
الاستشارية» ويعتمد هذا الأسلوب على تشكيل مجموعة من الخبراء في التربية
والتعليم مثلًا لتقييم سير العملية التعليمية. ومن الأساليب أيضًا
«استمارات تقويم الأداء» والتي يتم تحليلها لمعرفة جوانب القصور في أداء
الموظف ويتم تصميم البرامج التدريبية المناسبة لمعالجة تلك الجوانب في أداء
المعلم أو الموظف الإداري. ومن الأساليب أيضًا أسلوب «المقابلات الوظيفية»
سواء لمن هم قائمين على رأس العمل أو لبعض المتقاعدين عنه. ومن الأساليب
أيضًا أسلوب «المسح الخارجي» من خلال قياس أراء من هم خارج المدرسة ولهم
اتصال بها كأولياء الأمور وبعض المؤسسات الحكومية المحيطة بالمدرسة أو التي
لها تعامل مباشر أو غير مباشر معها. ومن الأساليب «تحليل الوثائق
والسجلات» لتحديد المشكلات التعليمية أو التربوية أو الإدارية التنظيمية.
ومن الأساليب أيضًا أسلوب «اختبارات المهارات» حيث تُصمم بعض الاختبارات
المهارية لقياس قدرة المعلم على أداء مهامه التربوية والتعليمية. ومن
الأساليب الأخرى لتحديد الاحتياج التدريبي «استبانات الاستقصاء» والتي
تستخدم في استطلاع أراء المعلمين أو المدراء أو الطلاب أو أولياء الأمور
حول مشكلة معينة وإشراكهم في طرق حلها.
وتلك الطرق يمكن تطبيقها في مواقف
تعليمية وتربوية مختلفة ولكن يكتسب تحديد الاحتياج مصداقية أعلى عند تطبيق
أكثر من طريقة ونموذج في موقف تعليمي أو تربوي واحد؛ وذلك لأن الدقة
والمصداقية في تحديد الاحتياج التدريبي للمدرسة يساهم كثيرًا في دقة
ومصداقية البرامج التدريبية العلاجية أو الوقائية أو التطويرية للمجالات
التربوية والتعليمية والإدارية في المدرسة.
وتتبنى نماذج التقويم الشامل مثل «بطاقات الملاحظة» وعلى وجه التحديد
«بطاقة ملاحظة درس تعليمي» طريقة من طرق تحديد الاحتياج التدريبي من خلال
ملاحظة مشرف التقويم الشامل لأداء المعلم داخل الحصة، ومن خلال التحضير
اليومي للمعلم، يقوم بعدها مشرف التقويم الشامل بتحديد بعضًا من البرامج
التدريبية المناسبة من وجهة نظره لتطوير أداء المعلم أو معالجة بعض جوانب
القصور لديه.
ووجود مثل تلك المحاولة في نماذج
التقويم الشامل محاولة جيدة ولكنها لا ترقى إلى درجات أعلى في الدقة
والمصداقية بحيث تُعتبر أساس لبناء خطة تدريب متكاملة تحقق أهداف التقويم
وأهداف التدريب على حد سواء. لذا أرى أن يتم تعديل وتطوير تلك النماذج
والبطاقات فيما يخص تحديد الاحتياج التدريبي على النحو :
أولًا – تقتصر بطاقات التقويم الشامل على جدول صغير يمثل نتيجة ملاحظة مشرف التقويم الشامل فيما يخص تحديد الاحتياج التدريبي للمعلم.
تحديد الاحتياج التدريبي – بكل
أساليبه - يمر بخطوات متعددة تبدأ بتحليل المهام الأساسية لوظيفة المعلم،
ثم تفتيت تلك المهام إلى قدرات معينة تحقق أداء تلك المهمة، ثم تٌحلل تلك
القدرات إلى مهارات ومعارف واتجاهات سلوكية لازمة لتحقيقها، وأخيرًا يٌتخذ
قرار التدريب بتحديد مدى حاجة المعلم لمهارات أو معارف معينة، ثم تٌحدد
البرامج التدريبية اللازمة لسد احتياج المعلم في تلك المهارات أو المعارف.
ثانيًا –
من المهم رفع الوعي التعليمي لدى مشرف التقويم الشامل بطبيعة المهارات
والمعارف والاتجاهات اللازمة في جميع مهام المعلم. وعلى سبيل المثال ينبغي
أن يٌلم مشرف التقويم الشامل بكل المهارات والمعارف المتضمنة في
استراتيجيات التدريس التي يتبعها المعلم. وذلك لأن مادة وموضوعات البرامج
التدريبية تُصمم بناء على تلك المهارات والمعارف والاتجاهات، فضلًا عن
كونها أيضًا نواتج التعلم المطلوب تحققها في كل درس تعليمي.
ثالثًا –
يتفرع من المحور السابق ضرورة إعادة النظر في طريقة تأهيل مشرف التقويم
الشامل، والذي يقتصر إعداده على برنامج تدريبي لا يتجاوز الخمسة أيام، لا
يتطرق فيه عادة لاستراتيجيات التعليم والتعلم، والتي يطالب المشرف بتقويمها
داخل غرفة الصف. لذا يجب تأهيل مشرف التقويم الشامل لا تدريبيه فقط،
والفرق بين التأهيل والتدريب كبير جدًا: فالتأهيل يهدف إلى إكساب وتأسيس
الموظف مجموعة من القدرات وذلك لتهيئته لعمل جديد، وغالبًا ما يستغرق
التأهيل وقتًا أطول، ويطرح فيه موضوعات أعمق وأكثر من التدريب الذي يهدف
إلى تنمية أو تطوير قدرات معينة فقط و في وقت محدود أيضًا . و التأهيل
يتأكد في حق مشرف التقويم الشامل لأنه مطالب بتقويم شامل لكل عناصر العملية
التعليمية.
رابعًا –
تعزيز مشاركة مشرف التدريب التربوي في فرق التقويم الشامل، واعتباره
عنصرًا أساسيًا في التقويم لا سيما تحديد الاحتياجات التدريبية للمعلمين.
خامسًا –
تخلو نماذج وبطاقات «المحاور العامة» في التقويم الشامل من تحديد الاحتياج
التدريبي للموظفين على غير الوظائف التعليمية، أو مدراء المدارس ووكلائها.
مع أن مشرف التقويم الشامل وحسب بطاقة «المحاور العامة» مطالب بتقويم
الانضباط المدرسي،وسير الخطط والأعمال الإدارية، وكفايات المدارس من
الموارد المادية والبشرية وغيرها. وهذا كله يستلزم تصميم برامج تدريبية
للعاملين في مجال الإدارة المدرسية يُبنى على احتياج تدريبي مقنن.
سادسًا –
عدم وجود نموذج تعليمي موحد يجعل من عمل مشرف التقويم الشامل جهدًا
مستقلًا لا يتكامل مع غيره من الأقسام والإدارات التعليمية. وهذا الهم
التعليمي لا يقتصر على إدارات التقويم الشامل وإنما ينسحب على جميع أقسام
وإدارات وزارة التربية والتعليم.
وأعني بالنموذج التعليمي: أي نموذج تربوي يعتمد على نظريات التعلم والتعليم المعروفة:
مثال ذلك : نموذج «راجليوث» المبني على النظرية التوسعية «لراجليوث» نفسه .
ونموذج «خرائط المفاهيم» المبني على مبادئ النظرية البنائية، ونظرية
«ديفيد أوزبل» ونماذج دمج مهارات التفكير في التدريس،كنموذج المركز الوطني
لتعليم التفكير في أمريكا، والمبنية على نظريات التفكير المتعددة. ونماذج
الاستقصاء كنموذج «ريتشارد سكمان» وغيرها.
لذا يجب أن يحدد المخططون في وزارة التربية والتعليم نموذج أو عدة نماذج
مقترحة معدلة متوائمة مع طبيعة المجتمع السعودي يوحد العمل بها في الأقسام
التعليمية بالوزارة، وهذا لا شك سوف ينعكس على دعم روح التكامل المفقود بين
أقسام الوزارة. ويُصبح معه عمل مشرف التقويم الشامل متطلب مهم لعمل مشرف
التدريب التربوي، وأساس لمتابعة مشرف المادة، وعمل دائم لمشرف التطوير
التربوي في تطوير أدوات وآليات النموذج التعليمي.
وهذا يتأكد الحاجة له عند معرفة مصير
تقارير التقويم الشامل والتي عادة لا تفَعَّلُ من قبل الأقسام الأخرى ذات
العلاقة لاعتقادها أنها لا تدخل في صلب عملها، وأن دورها مساند للتقويم
الشامل لا مكمل له ومعتمد عليه. ولكن وجود نموذج موحد يساعد على تكثيف
الجهود واستثمارها لتحقيق أهداف مشتركة لا مستقلة، ولتصبح الأقسام
التعليمية لوزارة التربية والتعليم ذات تسلسل تنفيذي يبدأ عملها بتقارير
مشرف التقويم عن الخلل الموجود في تطبيق النموذج التعليمي الموحد ليقوم
مشرف التدريب بتصميم برامج تدريبية بناء على تلك التقارير لسد الخلل في
النموذج التعليمي وتطبيقه من قبل المعلمين في الصف،وليتابع مشرف المادة
تنفيذ المعلم لما تعلمه في الدورات التدريبية وتوجيهه لطرق تطبيق مهارات
النموذج داخل الصف، وترفع ملاحظات حول النموذج من الأقسام السابقة ليتم
تطويرها ومعالجتها من قبل مشرف التطوير التربوي.
سابعًا –
وما أتمناه أن تنصب الجهود على تفعيل التقويم الشامل ليحقق دوره المهم في
العملية التعليمية لا أن تبدد الجهود في اتخاذ قرار إلغائه أو إبقائه.
موضوع: التقويم الشامل وتحديد الاحتياج التدريبي 
