(الجزء الثاني) يدان طويلتان وُلدت في ظروف صعبة، الخامسة بين أحد عشر ولدا لعادل وسيدة الطرابلسي. عملت حتى زواجها من بن علي في تسريح الشعر: في البداية عملت غاسلة شعر في صالون حلاقة، وبعد ذلك حلاّقة. في سن الـ 18، وكانت حسناء جدا ومهندمة ومرتبة، نجحت ليلى الطرابلسي في اجتذاب انتباه خليل معاوي رجل اعمال في بدء طريقه وتزوجته. صمد الزواج ثلاث سنين فقط. وفي هذه المرحلة قررت العمل في استيراد منتوجات التجميل لكنها عملت بلا رخصة، واستعملت المهربين وورطت نفسها مع القانون وتم اعتقالها. أوصاها صديق قريب بالتوجه الى الرئيس بن علي كي يعمل في الافراج السريع عنها. وعندما خرجت من المعتقل شكرت الرئيس 'على نحو شخصي' وهكذا بدأ الامر. أصبحت ليلى الطرابلسي عشيقة بن علي السرية، الذي كان متزوجا آنذاك نعيمة بن كافي، أم بناته الثلاث. في 1992 أعلن القصر انفصال الزوجين الرئاسيين وأوضح أن 'الرئيس معني بتجربة حظه مع امرأة اخرى ليحظى بابن ذكر'. جاءت من الزواج بليلى الطرابلسي البنتان نسرين وحليمة أولا وجاء بعدهما الابن محمد وهو في السابعة عشرة اليوم. قالوا في تونس هذا الاسبوع ان فرق السن بين الطاغية والسيدة الاولى فهو في الرابعة والسبعين وهي في السابعة والخمسين عمل لمصلحتها في الأساس. 'بقيت حلاقة في أعماق نفسها'، تقتبس وثائق 'ويكيليكس' محادثة بين سهى عرفات صديقة ليلى بن علي سابقا، وسفير الولايات المتحدة في تونس. 'فقد حرصت من جهة على تدليل بن علي المريض بالسرطان. ونمّت من جهة ثانية يدين طويلتين دُستا عميقا في الملعب السياسي وفي عالم الاعمال. استغلت مكانتها للتدخل في قرارات اتُخذت في القصر ولاملاء تعيينات مقربيها'. تشهد الازمة التي نشبت في علاقتها بأرملة الرئيس الفلسطيني على طرق سلوك ليلى بن علي وشقيقيها، بلحسن وعماد الطرابلسي ومعهما أبناء عائلة آخرون استغلوا القرابة ليجمعوا في جيوبهم الخاصة عشرات الملايين. بحسب التقديرات، أودعت عائلة الرئيس في الحسابات المصرفية في اوروبا 3.5 مليار دولار، جُمعت في سني حكم بن علي، ابتز أبناء العائلة بحسب الشبهات أصحاب حوانيت، وسيطروا على شركات خلوية ومصارف وعينوا من يرعونهم محرري صحف لمنع نشر تحقيقات عنهم. رعت ليلى بن علي سهى عرفات قبل ست سنين. فبعد جنازة زوجها في الحال أقلعت الأرملة مع ابنتها زهوة الى تونس وحصلت هناك على فيلا فخمة، وحراس وعلاقة حميمة مع القصر. 'اشترى الرئيس بن علي لزهوة حاسوبا'، افتخرت عرفات، 'وتعاملني ليلى، السيدة الاولى مثل شقيقتي الكبرى'. غير أن شهر العسل انقضى عندما تنافست الاثنتان في اقامة شبكة مدارس خاصة. كانت عرفات على يقين من ان المدرسة للاغنياء فقط على اسم لويس باستير في قرطاج ستنتقل الى ملكيتها بعد ان أنفقت عليها 2.5 مليون يورو (تبرعا من القذافي). تبين لها فجأة ان السيدة الاولى تطمع فيها. جرت لتشكو للقذافي وهاتفت ملكة الاردن ايضا. والتقطت المكالمات الهاتفية في القصر. في صيف 2007 سافرت عرفات مع زهوة في عطلة الى مالطة، وهناك أدهشها أن قرأت في صحيفة انها أصبحت شخصية غير مرغوب فيها في تونس. سُلبت جواز سفرها واختفى الحراس والفيلا، وصودر جميع المتاع والخزائن. 'فقدت كل ما كان لي'، اشتكت عرفات للسفير الامريكي في مالطة الذي أسرع الى ارسال برقية الى واشنطن. وقد كُشف عن الوثيقة الساخنة مع سلسلة الشتائم التي وجهتها عرفات الى 'الحلاقة' بين وثائق 'ويكيليكس'.
جواهر لا الى الأبد يتجرأ الجيران الآن في البلدة السياحية حمامات، التي بُني فيها قبل بضع سنين قصر يأسر العيون وفي مقدمته بركة سباحة اولومبية، يتجرأون الآن على الشكوى من 'الجارة السيئة'، التي وسعت مساحة القصر حتى ابتلعت كل البيوت السكنية حوله. في يوم الاثنين من هذا الاسبوع داهم شبان غاضبون القصر، وسلبوا الجواهر وصادروا أكوام ملابس وأحذية، ولوحوا ازاء عدسات التصوير بمجموعات زجاجية من ماركة فيرجيه وهشموها وطرحوا مشاعل وأحرقوا القصر. الى هذا الاسبوع كان يُزج في السجن كل من حاول ان يشكو مافيا عائلة السيدة الاولى. 'أبغض المواطن الصغير في تونس هذه المرأة وخاف منها خوفا شديدا'، يقول محمد بن زين الذي صادر رجال بن علي مصالحه. دارت الاحاديث ايضا في فترة ذروة القوة، لكن لم يتجرأ أحد آنذاك على رفع رأسه. قابل الممثل التونسي احمد بن سعيدي الذي تجرأ قبل سنتين على السخرية من 'السيدة' جمهورا غاضبا. لم يضحك أحد ولم يصفق أحد. وعندما حاول أن يقلد 'العرّاب المحلي' بلحسن، شقيق السيدة، بدأ الجمهور يعرق. نزل بن سعيدي عن المنصة ووجد رجال شرطة ألقوا به في السجن، ولم يحاكم الى اليوم. وأُفرج عنه آخر الامر هذا الاسبوع. بحسب تحليل خبيرة القانون التونسية سلوى شرفي، 'نقلتْ ليلى بن علي لزوجها فيروس الفساد لكنه لم يعلم الى أين وصلت أيدي عائلتها'. من المؤكد ان هذه الأيدي كانت طويلة. مع زواجها بالرئيس بن علي سيطر شقيقها البكر بلحسن، على شركة الطيران الوطنية. وحصل سائر الاخوة على مناصب رئيسية في شركات عقار ومصارف وشركات تصدير واستيراد (ولا سيما للسيارات) وشركات هواتف محمولة. وسيطر فريق من العائلة على الممتلكات وجبى آخرون رسوم رعاية واهتموا بأن يحولوا الى زوجة الرئيس حصصا كبيرة. 'كانت مشاركة في كل صفقة'، قال هذا الاسبوع مروان بن حميد، وهو رجل تصدير خسر آلاف الدولارات لصالح 'العائلة'. 'دست اصابعها ايضا في صفقات تمت مع اسرائيليين.حرصت على ان تبدو في الخارج امرأة عصرية ولم تُخف كراهيتها للحركات الاسلامية في بلادها. كان من افضالها النشاط الحثيث من اجل مساواة حقوق النساء ومكانتهن، والدفع لتشغيلهن في القطاعين العام والخاص. وقد دفعت اجهزة التربية ايضا الى الأمام واهتمت بالنفقة على حواسيب واستكمالات مهنية للمعلمين. كذلك انشأت رابطة لعلاج مرضى السرطان باسم والدتها الراحلة سيدة، وحصلت على تمويل حكومي بلغ عشرات ملايين الدولارات لانشاء مؤسسة أهـّلت معوقين للانضمام الى دائرة العمل في تونس، وفتحت لهم أبوابا في مصانع وشركات هواتف محمولة سيطرت عليها عائلتها. وكانت نشيطة في الساحة العربية ايضا وعُينت رئيسة 'منتدى النساء الرائدات في العالم العربي'. من المنطقي أن نفترض ان يُفتح في القريب صندوق باندورا ثقيل. والتقديرات انه يحتوي على سلوك عنيف، وسرقة ممتلكات في وضح النهار، وجباية رسوم رعاية من أصحاب اعمال كبيرة ومتوسطة. من المعلوم مثلا ان عماد الطرابلسي وهو أحد اخوة زوجة الرئيس مشتبه فيه بانه سرق قبل اربع سنين قاربا في مرسيه في فرنسا. ركب هو ورجاله القارب في الليل وأبحروا به الى تونس حيث صبغوه من جديد وأزالوا ألواح تعريفه. تلقت ليلى بن علي شكوى من صاحب القارب، وهو مصرفي فرنسي جليل، وأسرعت الى التهديد برفع دعوى مضادة تدعي فيها انه ليس لها ولعائلتها أي علاقة بالحادثة. تصف احدى وثائق 'ويكيليكس' الدهشة التي أصابت السفير الامريكي في تونس، روبرت جوديك، عندما وجد نفسه ضيف شرف على عشاء في القصر العائلي في قرطاج في تموز (يوليو) 2008. كتب السفير قبل الحادثة الى الادارة في واشنطن قائلا: 'ينطبع في نفسي ان عائلة الرئيس بن علي مكروهة في بلدها ومقطوعة عن كل ما يحدث فيه، وأنا أسمع عن عمق مشاركتها في الفساد وعن امبراطورية الاعمال التي انشأتها بطرق تُذكر بالمافيا الايطالية'. آنذاك جاء الى العشاء الذي أُقيم في بيت نسرين ابنة السيدة الاولى البكر وزوجها صالح مطيري مدير المصرف الاسلامي. تكومت على المائدة واحدة بعد الاخرى اثنتا عشرة وجبة غورميه جيء بها في طائرة من باريس ذلك الصباح. أشرف طباخ فرنسي على الوجبة. وعندما خرج الضيوف الى حديقة القصر، وقع نظر السفير على نمر تسلية سُمي فاشا ودُعي لمصافحة مدرب النمر الخاص. 'كان الحديث هاذيا'، كتب السفير. 'ساء رأيي في القدرات الثقافية المتدنية للمضيفين وأبناء العائلة الذين دُعوا تكريما لي. واشرفت ليلى على كل شيء في مظهر ريائي، مُحلاة بجواهر ثمينة كانت ترمي الى ابراز مكانتها باعتبارها السيدة الاولى'. هُشّم جزء كبير من تلك الجواهر هذا الاسبوع امام عدسات التصوير في اثناء عمل تظاهري رمز الى نهاية طريق 'إميلدا ماركوس التونسية'. (منقول - القدس العربي)