[size=21][size=21]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الآداء
المقدَّمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. [آل عمران /02].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء/ 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب 70-71 ].
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
يقول الحق تبارك وتعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} [ العصر 1-3 ] ويقول تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات/55] وإن من أعظم ما ينبغي التواصي به والتذكير فيه، فيما بين طلبة العلم هو تلك المسؤولية التي تحملناها على كواهلنا ونصبنا أنفسنا لها ألا وهي مسؤولية العلم الشرعي الذي شرفنا الله بحمله وسيسألنا عن أدائه.
ومن هنا أحببت أن أذكر نفسي وإخواني بعظم مسؤوليتنا وواجبنا تجاه هذا العلم الذي ننتسب إليه، من خلال هذا البحث الذي يحتوي على الإشارة إلى بعض المضامين التي احتواها قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة/122] فقوله تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} إرشاد إلى أمانة التحمل؛ فمن واجب طالب العلم أن يتفقه في دين الله قبل أن يتصدر لتعليمه وإبلاغه لسائر الناس، وأما قوله: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ففيه إشارة إلى مسؤولية الأداء التي يتحملها طالب العلم بعد تزوده بالعلم النافع المفيد.
قال ابن القيم: "ندب - تعالى - المؤمنين إلى التفقه في الدين وهو تعلمه، وإنذار قومهم إذا رجعوا إليهم"[1].
ولا شك أن طالب العلم الذي من لم تكن هذه الآية نصب عينيه، فإنه يخشى عليه الهلاك، ولبيان عظم هذا التوجيه الكريم من الله - تعالى - وما فيه من المعاني والفوائد، كتبت هذا البحث اللطيف وجعلت عنوانه "طالب العلم بين أمانة التحمل ومسؤولية الأداء " فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد العون والتسديد، ملخصاً كلامي في ثلاثة مباحث رئيسة وخاتمة.
وقد حرصت عند جمع مادة هذا البحث على الاستشهاد بكلام الله - تعالى - وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار الواردة عن السلف الصالح، مع الإيجاز وعدم الإطالة.
فأرجو من الله أن يتحقق النفع بما جمعت، وأن يحصل به الخير والفائدة.
المبحث الأوّل: شرف العلم وفضل أهله
المطلب الأوّل: الأدلّة من القرآن الكريم
إن على طالب العلم أن يتذكر نعمة الله عليه بأن هداه للإسلام أولاً، وجعله من حملته والدعاة إليه ثانياً، فتلك نعمة منَّ الله بها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من قبلنا فقد قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء 113] نعم والله إن فضل الله علينا عظيم.
ولو تأملت قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر/ 9 ] وتأملت نفسك قبل أن تطلب العلم وبعد أن منَّ الله عليك بطلب العلم هل الحال مستو، فالجواب "لا" ولو تأملت نفسك وأقرانك الذين في سنك ممن لم يطلبوا العلم هل تستوون فالجواب "لا" ولو تأملت نفسك وعوام الناس لوجدت الفارق العظيم، فهذه واحدة.
وأما الثانية ففي قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [الحجرات/ 11] إن هذه الرفعة التي وعد الله بها أهل الإيمان والعلم، منها ما هو في الحياة الدنيا ومنها ما هو في الآخرة، فطالب العلم له بين الناس منزلةٌ ومكانة واحترام وتقدير ولا يتسع الوقت لضرب الأمثلة على تلك الرفعة وهو أمرٌ ملموسٌ مشاهد.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى : "إن العلم يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة ما لا يرفعه المُلْك ولا المال ولا غيرهما، فالعلم يزيد الشريف شرفاً ويرفع العبد المملوك حتى يجلسه مجالس الملوك كما ثبت في الصحيح من حديث الزهري عن أبي الطفيل أن نافع بن عبد الحارث أتى عمر بن الخطاب بعسفان، وكان عمر استعمله على أهل مكة، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي قال: استخلفت عليهم ابن أبزى، فقال من ابن أبزى؟ فقال: رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى. فقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"[2]. وقال أبو العالية: "كنت آتي ابن عباس وهو على سريره وحوله قريش فيأخذ بيدي فيجلسني معه على السرير فتغامز بي قريش، ففطن لهم ابن عباس، فقال: كذا هذا العلم يزيد الشريف شرفاً ويجلس المملوك على الأسرة"[3].
وأما الثالثة فإن أهل العلم وطلبته هم أهل الخشية كما شهد الله بذلك في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [ فاطر/ 28 ].
وأما الرابعة ففي قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [ آل عمران 18 ].
قال ابن القيم: " استشهد - سبحانه - بأولي العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده، فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه:
أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر.
والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته.
والثالث: اقترانها بشهادة الملائكة.
والرابع: أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم، فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول.
والخامس: أنه وصفهم بكونهم أولي العلم وهذا يدل على اختصاصهم به وأنهم أهله وأصحابه ليس بمستعار لهم.
والسادس: أنه - سبحانه - استشهد بنفسه وهو أجل شاهد ثم بخيار خلقه وهم الملائكة والعلماء من عباده ويكفيهم بهذا فضلاً وشرفاً"[4].
وأما الخامسة: ففي قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}.
قال ابن القيم: "وكفى بهذا شرفاً للعلم أن أمر نبيه أن يسأله المزيد منه"[5].
المطلب الثّاني: الأدلّة من السّنّة
1- أهل العلم هم ورثة الأنبياء كما قال صلى الله عليه وسلم: " العلماء ورثة الأنبياء "[6] فالله - سبحانه - جعل العلماء وكلاءَ وأمناءَ على دينه ووحيه وارتضاهم لحفظه والقيام به والذبِّ عنه، وناهيك بها منزلة شريفة ومنقبة عظيمة.
قال ابن القيم: "قوله: "إن العلماء ورثة الأنبياء" هذا من أعظم المناقب لأهل العلم فإن الأنبياء خير خلق الله، فورثتهم خير الخلق بعدهم، ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده، ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء كانوا أحق الناس بميراثهم، وفي هذا تنبيه على أنهم أقرب الناس إليهم فإن الميراث إنما يكون لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابت في ميراث الدينار والدرهم فكذلك هو في ميراث النبوة والله يختص برحمته من يشاء"[7].
2- ثم إن طلب العلم مصدر الخير والسعادة في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"[8] وقال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم لرضى الله عنه، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافٍ"[9].
قال بدر الدين بن جماعة: "اعلم أنه لا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وغيرهم بالاستغفار والدعاء له، وتضع له أجنحتها، وإنه لينافس في دعاء الرجل الصالح أو من يظن صلاحه فكيف بدعاء الملائكة، وقد اختلف في معنى وضع أجنحتها، فقيل: التواضع له، وقيل: النزول عنده والحضور معه، وقيل: التوقير والتعظيم له"[10].
3- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها"[11].
قال ابن القيم: "فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا ينبغي لأحد أن يحسد أحداً يعني: حسد غبطة، ويتمنى مثل حاله من غير أن يتمنى زوال نعمة الله عنه إلا في واحدة من هاتين الخصلتين، وهي الإحسان إلى الناس بعلمه أو ماله، وما عدا هذين فلا ينبغي غبطته ولا تمني مثل حاله لقلة منفعة الناس به"[12].
4- وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قالوا يا رسول الله: وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر"[13].
5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتقع به أو ولد صالح يدعو له"[14].
قال ابن القيم رحمه الله: "وهذا من أعظم الأدلة على شرف العلم وفضله وعظم ثمرته، وإن ثوابه يصل إلى الرجل بعد موته ما دام ينتفع به، فكأنه حي لم ينقطع علمه، مع ما له من حياة الذكر والثناء، فجريان أجره عليه إذا انقطع عن الناس ثواب أعمالهم حياة ثانية"[15].
المطلب الثّالث: أقول بعض العلماء
1- هذا الصحابي الجليل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - يقول في فضل العلم: "تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يحسنه صدقة، وبذله لأهله قربة، به يُعرف الله ويُعبد، وبه يُوحد، وبه يُعرف الحلال من الحرام، وتوصل الأرحام، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والقريب عند الغرباء، ومنار سبيل الجنة، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وسادة يقتدى بهم، أدلة في الخير تقتص آثارهم، وترمق أفعالهم، وترغب الملائكة في خُلتهم وبأجنحتها تمسحهم، ويستغفر لهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه والسماء ونجومها، والعلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة للأبدان من الضعف يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى، التفكر فيه يُعدل بالصيام ومدارسته بالقيام، وهو إمام للعمل والعمل تابعه يُلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء [16].
هذا الأثر معروف عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - الذي هو أعلم الناس بالحلال والحرام.
2- وعن علي - رضي الله عنه - قال: "الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رَعَاعٌ أتباع كُل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.
العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال.
العلم يزكو على الإنفاق، والمال تنقصه النفقة.
العلم حاكم والمال محكوم عليه.
ومحبة العلم دين يدان بها.
العلم يكسب العالم طاعة في حياته، وجميل الأُحْدُوثَة بعد وفاته.
وقال ابن القيم: "رواه الخطيب وأبو نعيم وغيرهما عن معاذ بن جبل ورواه أبو نعيم في المعجم من حديث معاذ مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يثبت وحسبه أن يصل إلى معاذ" انتهى. انظر: مفتاح دار السعادة 1/120.
وصنيعة المال تزول بزواله، مات خُزَّانُ المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة"[17].
قال ابن القيم: وقوله: "إن الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع" هذا تقسيم خاص للناس وهو الواقع، فإن العبد إما أن يكون قد حصَّل كماله من العلم والعمل أو لا. فالأول العالم الرباني،والثاني إما أن تكون نفسه متحركة في طلب ذلك الكمال ساعية في إدراكه أو لا والثاني هو المتعلم على سبيل النجاة، والثالث وهو الهمج الرعاع.
فالأول هو الواصل، والثاني هو الطالب، والثالث هو المحروم المُعْرِض فلا عالم ولا متعلم بل همج رعاع، والهمج من الناس حمقاؤهم وجهلتهم، وأصله من الهمج جمع همجة وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والدواب وأعينها[18]، فشبه همج الناس به والرعاع من الناس الحمقى الذين لا يعتد بهم. وقوله أتباع كل ناعق أي من صاح بهم ودعاهم تبعوه سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال، فإنهم لا علم لهم بالذي يُدْعَوْنَ إليه أحق هو أم باطل"[19].
3- وعن علي - رضي الله عنه - قال : "كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذماً أن يتبرأ منه من هو فيه"[20].
4- وكان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول إذا رأى الشباب يطلبون العلم : "مرحباً بينابيع الحكمة ومصابيح الظُّلَم جدد القلوب حلس البيوت ريحان كل قبيلة"[21].
5- وقال وهب بن منبه: "يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنياً، والعز وإن كان مهيناً، والقرب وإن كان قصياً، والغنى وإن كان فقيراً، والمهابة وإن كان وضيعاً"[22].
6- وقال سفيان بن عيينة: "أرفع الناس عند الله منزلة من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء".
7- وقال أيضاً: "لم يعط أحد في الدنيا شيئاً أفضل من النبوة، وما بعد النبوة شيء أفضل من العلم والفقه" فقيل: عمن هذا؟ قال: "عن الفقهاء كلهم"[23].
8- وعن سفيان الثوري والشافعي قالا: "ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم"[24].
9- وقال بدر الدين بن جماعة: "إن الاشتغال بالعلم لله أفضل من نوافل العبادات البدنية من صلاة وصيام وتسبيح ودعاء ونحو ذلك، لأن نفع العلم يعم صاحبه والناس، والنوافل البدنية مقصورة على صاحبها، ولأن العلم مصحح لغيره من العبادات فهي تفتقر إليه وتتوقف عليه ولا يتوقف هو عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء - عليهم الصلاة والتسليم - وليس ذلك للمتعبدين، ولأن طاعة العالم واجبة على غيره فيه، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه، وغيره من النوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن في بقاء العلم إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة" [25].
10- وقال ابن القيم: "السعادة الحقيقية هي سعادة العلم النًّافِعِ ثَمَرَتُهُ، فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال، والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره وفي دوره الثلاثة - أعني: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار، وبها يرتقي معارج الفضل ودرجات الكمال.
وإنما رغب أكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها وعورة طريقها ومرارة مباديها وتعب تحصيلها، وأنها لا تنال إلا عن جد من التعب، فإنها لا تحصل إلا بالجد المحض"[26].
المبحث الثّاني: السّبيل إلى تحمّل العلم
المطلب الأوّل: حاجة طالب العلم إلى الذّكاء والزّكاء
لو نظرت في أصناف طلبة العلم لوجدتهم لا يخرجون عن أحد أصناف ثلاثة:
صنف أوتي ذكاء وفهماً، مع زكاء نفس وحسن سريرة، فحَمَلَهُ ذكاؤه على الجد في طلب العلم والسعي في تحصيله، وحَمَلَهُ زَكَاءُ نفسه وطُهْرُها على العمل بهذا العلم وتطبيقه.
وصنف ثاني: أوتي ذكاء ولم يؤت زكاء، فحمله ذكاؤه على حفظ العلم وتحصيله، ومنعه زكاؤه من العمل به وتطبيقه وهذا علمه حجّة عليه لا حجّة له يوم القيامة.
وصنف ثالث: حرم الأمرين معاً، فليس عنده ذكاءٌ يحصل به العلم وليس عنده زكاءٌ يطبق به العلم.
وهذه الأصناف الثلاثة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:
"إن مثل ما بعثني الله به - عز وجل - من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله منها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله به فعَلِمَ وعلّمَ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"[27].
وفي هذا الحديث شبّه النبي صلى الله عليه وسلم العلم الذي جاء به بالغيث لأن كُلاًّ من العلم والغيث سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان والعلم سبب حياة القلوب، وشبه القلوب بالأودية وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث:
إحداها: أرض زكية قابلة للشراب والنبات، فإذا أصابها الغيث ارتوت ومنه يثمر النبت من كل زوج بهيج.
فذلك مثل القلب الزكي الذكي، فهو يقبل العلم بذكائه فيثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه، فهو قابل للعلم مثمر لموجبه وفقهه وأسرار معادنه.
والثانية: أرض صلبة قابلة لثبوت ما فيها وحفظه، فهذه تنفع الناس لورودها والسقي منها والازدراع.
وهو مثل القلب الحافظ للعلم الذي يحفظه كما سمعه، فهو يحفظه للحفظ المجرد فهو يؤدي كما سمع وهو من القسم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقيه"[28].
والأرض الثالثة: أرض قاع وهو المستوي الذي لا يقبل النبات ولا يمسك ماء، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع منه شيئاً، فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم والفقه والدراية، وإنما هو بمنزلة الأرض البور التي لا تنبت ولا تحفظ.
فالصنف الأول من الناس: عالم معلم، وداع إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرسل وهذا الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "من فقه في دين الله ونفعه الله به فعلم وعلم".
والصنف الثاني: من أوتي الذكاء وحرم الزكاء فهو بذكائه حفظ ونقله لغيره.
والصنف الثالث: لا هذا ولا هذا، فهو قد حُرِمَ الذكاء والزكاء، فهو لذلك لم يقبل هدى الله، ولم يرفع به رأساً.
فاسْتَوْعَبَ الحديثُ أصناف الناس في مواقفهم من العلم الشرعي؛ فيعلم من الحديث السابق أن طالب العلم لابد له من أمرين متلازمين لأجل تحصيل العلم وهما الذكاء والزكاء.
فلابد له من زكاء نفس وصلاح سريرة واستقامة دين من أجل أن يحمله ذلك على:
1- إخلاص القصد وإصلاح النية في طلب العلم.
2- كبح جماح الشهوة والغفلة المانعتين من طلب العلم.
3- دفع الشبهات التي تصد عن طلب الحق.
4- القيام بحق هذا العلم تعلّماً وعملاً وتعليماً.
ولابد له من ذكاء يعينه على تحصيل العلم والجد في طلبه وعندما سأل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما دغفل بن حنظلة فقال: "يا دغفل من أين حفظت هذا؟" قال: "حفظت هذا بقلب عقول ولسان سؤول"[29] .
فلابد من عقل يحسن معه صاحبه أخذ العلم بأحسن طريق وأيسره ليعينه ذلك على فهم النصوص ومعرفة المسائل حين استيعابها، ويؤكد حاجة العبد إلى الذكاء والزكاء أن الإنسان بطبعه له قوتان:
أولاً: قوة الإدراك والنظر وما يتبعها من العلم والمعرفة وهذه هي القوة العلمية النظرية التي أسميناها هنا الذكاء.
ثانياً: قوة الإرادة والحب وما يتبعه من النية والعزم والعمل وهذه هي القوة العملية التطبيقية.
ولذلك كان مدار الإيمان على أصلين هما:
الأصل الأول: تصديق الخبر والذي يكون في القوة العلمية النظرية.
الأصل الثاني: طاعة الأمر والذي يكون في القوة الإرادية العملية.
ويتبعهما أمران آخران:
الأمر الأول: دفع شبهات الباطل التي تمنع من كمال التصديق.
الأمر الثاني: دفع شهوات الغي المانعة من كمال الامتثال.
لأن الشبهة تؤثر فساداً في القوة العلمية النظرية ما لم يداوها الإنسان بدفعها، ودفعها إنما يكون بالعلم الصحيح.
والشهوة تؤثر فساداً في القوة الإرادية العملية ما لم يداوها الإنسان بتزكية النفس.
ولذلك قال الله في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [ النجم/ 2 ].
فقوله: {مَا ضَلَّ} دليل على كمال علمه ومعرفته وأنه على الحق المبين.
وقوله: {وَمَا غَوَى} دليل على كمال رشده وأنه أبر العالمين.
وقد وصف صلى الله عليه وسلم بذلك خلفاءه من بعده فقال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"[30]، فالراشد ضد الغاوي، والمهدي ضد الضال.
ولذلك جاءت النصوص بالحث على العلم وطلبه وتحصيله، والحث على زكاء النفس وسلامة القلب ومما ورد في ضرورة زكاء القلب قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}
وقوله صلى الله عليه وسلم : "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد كله وإذا فسدت فسد سائر الجسد كله ألا وهي القلب"[31].
فعلى طالب العلم أن يحرص على سلامة قلبه فذلك الذي ينفعه عند الله قال تعالى:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [ الشعراء/ 89 ] والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك، وسلم من البدع، وسلم من الغي، وسلم من الباطل، فهو القلب الذي سلم لعبودية ربه حياءً وخوفاً وطمعاً ورجاءً، فقدم حب الله على حب من سواه، وخوفه على خوف من سواه، ورجاءه على رجاء من سواه، وسلَّم لأمره ولرسوله صلى الله عليه وسلم تصديقاً وطاعة، واستسلم لقضاء الله وقدره، وبالتالي سلَّم جميع أحواله وأقواله وأعماله ظاهراً وباطناً لله وحده[32].
"فلا بد أن يطهر طالب العلم قلبه من كل غش ودنس وغل وحسد وسوء عقيدة وخلق، ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائق معانيه وحقائق غوامضه، فإن العلم - كما قال بعضهم -: صلاة السر وعبادة القلب وقربة الباطن، وكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث، فكذلك لا يصلح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها.
وإذا طيب القلب للعلم ظهرت بركته ونما، كالأرض إذا طيبت للزرع نما زرعها وزكا.
وقال سهل التستري : حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل"[33].
وقال الإمام الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي ....فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأعلمني أن العلم نور ... ونور الله لا يؤتى لعاصي [34]
المطلب الثّاني: مراتب نيل العلم
لنيل العلم مراتب ينبغي لطالب العلم مراعاتها حتى يحصل له عن طريقها نيل العلم بأقرب طريق وأيسر سبيل، وقد ذكر العلماء تلك المراتب وأوضحوها لطلاب العلم حتى يأخذوا بها.
قال ابن المبارك: "أول العلم النية، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر"[35].
قال ابن القيم: "وللعلم ست مراتب:
أولها: حسن السؤال.
الثانية: حسن الإنصات والاستماع.
الثالثة: حسن الفهم.
الرابعة: الحفظ.
الخامسة: التعليم.
السادسة: وهي ثمرته وهي العمل به ومراعاة حدوده.
أما المرتبة الأولى: فهي حسن السؤال، فمن الناس من يحرم العلم لعدم حسن سؤاله، إما لأنه لا يسأل بحال، أو يسأل عن شيء وغيره أهم إليه منه كمن يسأل عن فضوله التي لا يضر جهله بها ويدع ما لا غنى له عن معرفته، وهذه حال كثير من الجهال المتعلمين.
قالت عائشة - رضي الله عنها - : "رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن"[36].
وسأل معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - دغفل بن حنظلة فقال: "يا دغفل من أين حفظت هذا؟ " قال: "حفظت هذا بقلب عقول ولسان سؤول"[37].
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : "ذللت طالباً فعززت مطلوباً"[38]، وقال: "وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار إن كنت لأَقِيْل عند باب أحدهم ولو شئت أذن لي ولكن أبتغي بذلك طيب نفسه"[39]، وقال أبو إسحاق: "قال علي كلمات لو رحلتم المطي فيهن لأفنيتموهن قبل أن تدركوا مثلهن: "لا يَرْجُوَنَّ عَبْدٌ إلا ربه، ولا يخافنَّ إلا ذنبه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد: وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان"[40]، ومن كلام بعض العلماء: "لا ينال العلم مستحٍ ولا متكبر، هذا يمنعه حياؤه من التعلم وهذا يمنعه كبره"[41]، وإنما حمدت هذه الأخلاق في طلب العلم لأنها طريق إلى تحصيله فكانت من كمال الرجل ومفضية إلى كماله. ومن كلام الحسن: "من استتر عن طلب العلم بالحياء لبس للجهل سرباله، فاقطعوا سرابيل الجهل عنكم بدفع الحياء في العلم، فإنه من رق وجهه رق علمه"[42]، وقال الخليل: "منزلة الجهل بين الحياء والأنفة"[43] ومن كلام علي - رضي الله عنه -: "قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان"[44]، وقال إبراهيم للمنصور: "سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الأكياس"[45]، وكذلك سؤال الناس هو عيب ونقص في الرجل وذلة تنافي المروءة إلا في العلم فإنه عين كماله ومروءته وعزه كما قال بعض أهل العلم: "خير خصال الرجل السؤال عن العلم"[46]، وقال علي رضي الله عنه: "سلوني ..." فقام ابن الكواء فسأل عن أشياء فقال علي: "ويلك سل تفقها ولا تسل تعنتا ..."[47].
وأنشد ابن الأعرابي:
فسل الفقيه تكن فقيها مثله ... من يسع في علم بذلٍ يَمْهَرُ[48]
أما المرتبة الثانية: فهي حسن الإنصات، فمن الناس من يحرم العلم لسوء إنصاته، فيكون الكلام والممارات آثر عنده وأحب إليه من الإنصات وهذه آفة كامنة في أكثر النفوس الطالبة للعلم وهي تمنعهم علما كثيراً ولو كان حَسَنَ الفهم. ذكر ابن عبد البر عن بعض السلف أنه قال: "من كان حسن الفهم رديء الاستماع لم يقم خيره بشره"[49].
وقال الزهري: "كان أبو سلمة يسأل ابن عباس فكان يعرض عنه وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يلاطفه فيغره غراً، وقال أبو سلمة: لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علماً كثيراً"[50]. وقال ابن جريج: " ما استخرجت العلم الذي استخرجت من عطاء إلا برفقي به"[51]، وقال بعض السلف: "إذا جالست العالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول"[52].
والمرتبة الثالثة: حسن الفهم، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق/ 37 ] فتأمل ما تحت هذه الألفاظ من كنوز العلم وكيف تفتح مراعاتها للعبد أبواب العلم والهدى وكيف ينغلق باب العلم من إهمالها وعدم مراعاتها، فإنه سبحانه أمر عباده أن يتدبروا آياته المتلوة المسموعة والمرئية المشهودة بما تكون تذكرة لمن كان له قلب فإن من عدم القلب الواعي عن الله لم ينتفع بكل آية تمر عليه ولو مرت به كل آية ومرور الآيات عليه كطلوع الشمس والقمر والنجوم وكمرورها على من لا بصر له، فإذا كان له قلب كان بمنزلة البصير إذا مرت به المرئيات، فإنه يراها.
ولكن صاحب القلب لا ينتفع بقلبه إلا بأمرين:
أحدهما: أن يحضره ويشهده لما يلقى إليه فإن كان غائباً عنه مسافراً في الأماني والشهوات والخيالات لا ينتفع به فإذا أحضره وأشهده لم ينتفع إلا بأن يلقي سمعه ويصغى بكليته إلى ما يوعظ به ويرشد إليه.
وههنا ثلاثة أمور: أحدها سلامة القلب وصحته وقبوله.
الثاني: إحضاره وجمعه ومنعه من الشرود والتفرق، الثالث: إلقاء السمع وإصغاؤه والإقبال على الذكر. فذكر - الله تعالى - الأمور الثلاثة في هذه الآية "[53].
والمرتبة الرابعة: هي الحفظ، قال الخليل بن أحمد: "ما سمعت شيئاً إلا كتبتهُ، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته إلا نفعني"[54].
وعن الشعبي أنه قال: "كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به"[55].
وأما المرتبة الخامسة: فهي العمل به، قال بعض السلف: "كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به". وقال بعض السلف أيضاً: "العلم يهتف بالعمل فإن أجابه حل وإلا ارتحل"[56]. فالعمل به من أعظم أسباب حفظه، وثباته، وترك العمل به إضاعة له فما استدر العلم ولا استجلب بمثل العمل. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [ الحديد/ 28 ]"[57].
وأما المرتبة السادسة: وهي نشره وتعليمه.
وقد قيل: "ما صينَ العلم بمثل العمل به وبذله لأهله"[58].
وقال ابن القاسم: "كنا إذا ودَّعنا مالكاً يقول لنا: اتقوا الله وانشروا هذا العلم وعلموه ولا تكتموه"[59].
وعن أبي حاتم الرازي قال: "نَشْرُ العلم حياته، والبلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة، يعتصم به كل مؤمن، ويكون حجة على كل مقر به وملحد"[60].
"وحرمان العلم من هذه الوجوه الستة:
أحدها: ترك السؤال
الثاني: سوء الإنصات وعدم إلقاء السمع.
الثالث: سوء الفهم.
الرابع: عدم الحفظ.
الخامس: عدم نشره وتعليمه، فإن من خزن علمه، ولم ينشره، ولم يعلِّمْه ابتلاه الله بنسيانه وذهابه منه جزاء من جنس عمله، وهذا أمر يشهد به الحس والوجود.
السادس: عدم العمل به فإن العمل به يوجب تذكره وتدبره ومراعاته والنظر فيه، فإذا أهمل العمل به نسيه.
المطلب الثّالث: آداب طالب العلم
على طالب العلم أن يراعي جملة من الأمور يتحلى بها في سلوكه سبيل العلم ومن بينها:
أولاً: حسن النية في طلب العلم: بأن يقصد به وجه الله - تعالى - والعمل به وإحياء الشريعة وتنوير قلبه وتحلية باطنه، والقرب من الله - تعالى - يوم القيامة، والتعرض لما أعد لأهله من رضوانه وعظيم فضله.
قال سفيان الثوري: "ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي"[61].
ولا يقصد به الأغراض الدنيوية من تحصيل الرياسة والجاه والمال ومباهاة الأقران وتعظيم الناس له وتصديره في المجالس ونحو ذلك فيستبدل الأدنى بالذي هو خير.
فإن العلم إن خلصت فيه النية قبل وزكا ونمت بركته، وإن قصد به غير وجه الله - تعالى - حبط وضاع وخسرت صفقته، وربما تفوته تلك المقاصد ولا ينالها فيخيب قصده ويضيع سعيه[62].
ثانياً: أن يبادر شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف والتأميل، فإن كل ساعة تمضي من عمره لا بدل لها ولا عوض عنها، ويغتنم وقت فراغه ونشاطه وزمن عافيته وشرخ شبابه ونباهة خاطره وقلة شواغله قبل عوارض البطالة أو موانع الرياسة، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : "تفقهوا قبل أن تسودوا "[63] وقال الشافعي: "تفقه قبل أن ترأس فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه"[64].
ويقطع ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة والعوائق المانعة عن تمام الطلب وبذل الاجتهاد وقوة الجد في التحصيل فإنها كقواطع الطريق، ولذلك استحب السلف التغرب عن الأهل والبعد عن الوطن لأن الفكرة إذا توزعت قصرت عن درك الحقائق وغموض الدقائق، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وكذلك يقال: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك.
ومما يقال عن الشافعي أنه قال: "لو كلفت شراء بصلة لما فهمت مسألة"[65].
ثالثاً: أن يقسم أوقات ليله ونهاره ويغتنم ما بقي من عمره فإن بقية العمر لا قيمة له.
وأجود الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة والمذاكرة الليل.
وقال الخطيب: "أجود أوقات الحفظ الأسحار ثم وسط النهار ثم الغداة".
قال: "وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع"[66].
رابعاً: أن يقلل نومه ما لم يلحقه ضرر في بدنه وذهنه ولا يزيد في نومه في اليوم والليلة على ثمان ساعات وهو ثلث الزمان، فإن احتمل حاله أقل منها فعل.
ولا بأس أن يريح نفسه وقلبه وذهنه وبصره إذا كلّ شيء من ذلك أو ضعف بتنزه وتفرج في المستنزهات بحيث يعود إلى حاله ولا يضيع عليه زمانه[67].
خامساً: أن يترك مصاحبه من كثر لعبه وقلت فكرته، فإن الطباع سراقة وآفة العشرة ضياع العمر بغير فائدة، والذي ينبغي لطالب العلم أن لا يخالط إلا من يفيده أو يستفيد منه.
وإذا احتاج إلى من يصحبه فليكن صاحباً صالحاً، ديناً، تقياً، ورعاً، ذكياً، كثير الخير، قليل الشر، حسن المداراة، قليل المماراة، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، وإن ضجر صبره[68].
سادساً: أن يأخذ نفسه بالورع في جميع شأنه ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه وفي جميع ما يحتاج إليه هو وعياله، ليستنير قلبه، ويصلح لقبول العلم ونوره والنفع به. وعليه أن يقنع من القوت بما تيسر وإن كان يسيراً، ومن اللباس بما يستر مثله وإن كان خَلقاً، فبالصبر على ضيق العيش ينال سعة العلم، ويجمع شمل القلب على مفترقات الآمال فتفجر فيه ينابيع الحكم[69].
المطلب الرّابع: موانع حمل العلم
ليس كل الناس أهل لتحمل العلم فهناك من لا يصلح لحمل العلم وقد ذكر علي بن أبي طالب - رضي الله - عنه أصناف حملة العلم الذين لا يصلحون لحمله وهم أربعة:
أحدهم: من ليس هو بمأمون عليه وهو الذي أوتي ذكاءً وحفظاً، ولكن مع ذلك لم يؤت زكاءً، فهو يتخذ العلم الذي هو آلة الدين آلة للدنيا يستجلبها بها، ويتوصل بالعلم إليها، ويجعل البضاعة التي هي متجرُ الآخرة متجرَ الدنيا، وهذا غير أمين على ما حمله من العلم ولا يجعله الله إماماً فيه قط، فإن الأمين هو الذي لا غرضَ له ولا إرادة لنفسه إلا اتباع الحق وموافقته.
وهذا الصنف الذي قد اتخذ بضاعة الآخرة ومتجرها متجراً للدنيا قد خان الله وخان عباده وخان دينه، فلهذا هو غير مأمون عليه وليس من حملته.
والصنف الثاني: رجل همته في نيل لذته فهو منقاد لداعي الشهوة أين كان ولا ينال درجة وراثة النبوة مع ذلك، ولا يُنال العلمُ إلا بهجر اللذات وتطليق الراحة، قال مسلم في صحيحه: قال يحيى بن أبي كثير: "لا يُنال العلم براحة الجسم"[70] وقال إبراهيم الحربي: "أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعم ومن آثر الراحة فاتته الراحة، فما لصاحب اللذات وما لدرجة وراثة الأنبياء"[71].
فدع عنك الكتابة لست منها ...ولو سودت وجهك بالمداد[72]
فإن العلم صناعة القلب وشغله، فمن لم يتفرغ لصناعته وشغله لم تنله. فالقلب له وجهة واحدة فإذا وجهت وجهته إلى اللذات والشهوات انصرفت عن العلم.
ومن لم يُغلِّبْ لذة إدراكه للعلم على لذة جسمه وشهوة نفسه لم ينل درجة العلم أبداً.
الصنف الثالث: المنقاد الذي لم يَثْلُج صدره بالعلم ولم يطمئن به قلبه بل هو ضعيف البصيرة فيه، لكنه منقاد لأهله، وهذه حال أتباع الحق من مقلديهم، وهؤلاء وإن كانوا على سبيل نجاة فليسوا من دعاة الدين وإنما هم من مكثري سواد الجيش لا من أمرائه وفرسانه.
الصنف الرابع: من حِرْصُهُ وهِمَّتُهُ في جمع الأموال وتثميرها وادخارها، فقد صارت لذته في ذلك وفنى بها عما سواها فلا يرى شيئاً أطيب له مما هو فيه فمن أين هذا ودرجة العلم.
فهؤلاء الأصناف الأربعة ليسوا من دعاة الدين ولا من أئمة العلم ولا من طلبته الصادقين في طلبه.
ومن تعلق منهم بشيء منه فهو من المتسلقين عليه المتشبهين بحملته وأهله المدعين لوصاله المبتوتين من حباله.
وفتنة هؤلاء فتنة لكل مفتون، فإن الناس يتشبهون بهم لما يظنون عندهم من العلم ويقولون لسنا خيراً منهم، ولا نرغب بأنفسنا عنهم، فهم حجة لكل مفتون ولهذا قال بعض الصحابة الكرام: "احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون"[73].
المبحث الثّالث: مسؤوليّة أداء العلم
المطلب الأوّل: مسؤوليّة أدائه عملاً
المسؤولية التي يتحملها طالب العلم تجاه العلم ذات شقين:
الأول: مسؤولية أدائه عملاً.
والثاني: مسؤولية أدائه تعليماً.
فأما عن مسؤولية أدائه عملاً فقد قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : "من تعلَّم علماً لا يعمل به لم يزده العلم إلا كِبْراً"[74].
وقال - رضي الله عنه - : "تعلَّموا، تعْلموا، فإذا علمتم فاعملوا"[75].
وقال الحسن: "العالم الذي وافق علمه عمله"[76].
وعنه قال: "عقوبة العالم موت قلبه. قيل له: وما موت القلب؟ قال: طلب الدنيا بعمل الآخرة"[77].
وقال هلال بن العلاء: "طلب العلم شديد، وحفظه أشدُّ من طلبه، والعمل به أشدُّ من حفظه، والسلامة منه أشدُّ من العمل به، ثم أنشد يقول:
يموتُ قومٌ ويُحيي العِلْمُ ذِكْرَهٌمُ ... والجَهْلُ يُلْحِقُ أَمْوَاتاً بأَمْوَاتِ[78]
وقال الشافعي: "ليس العلم ما حُفِظَ، العلم ما نَفَع"[79].
المطلب الثّاني: مسؤوليّة أدائه تعليماً
وأما عن مسؤولية أدائه تعليماً: فقال عبد الله بن المبارك: "من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما بموت يُذهب علمه، و إما يُنسى، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه سلطاناً"[80].
وعن أبي قلابة قال: "العلماء ثلاثة: رجل عاش بعلمه، ولم يعش الناس به معه، ورجل عاش الناس بعلمه ولم يعش هو به، ورجل عاش بعلمه وعاش الناس به معه"[81].
"قال بعض السلف صنفان إذا صلحا صلح سائر الناس وإذا فسدا فسد سائر الناس: العلماء والأمراء.
قال عبد الله بن المبارك: "وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها "[82]
وقال محمد بن الفضل: "ذهاب الإسلام على يدي أربعة أصناف من الناس:
1- صنف لا يعملون بما يعلمون.
2- وصنف يعملون بما لا يعلمون.
3- وصنف لا يعلمون ولا يعملون.
4- وصنف يمنعون الناس من العلم"[83].
قال ابن القيم: "الصنف الأول: من له علم بلا عمل فهو أضر شيء على العامة، فإنه حجة لهم في كل نقيصة ومنحسة.
والصنف الثاني: العابد الجاهل، فإن الناس يحسنون الظن به لعبادته وصلاحه، فيقتدون به على جهله.
وهذان الصنفان هما اللذان ذكرهما بعض السلف في قوله:
"احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون"[84]، فإن الناس إنما يقتدون بعلمائهم وعبادهم، فإن كان العلماء فجرة والعباد جهلة عمت المصيبة وعظمت الفتنة على الخاصة والعامة.
والصنف الثالث: من لا علم لهم ولا عمل وإنما هم كالأنعام السائمة.
والصنف الرابع: نواب إبليس في الأرض وهم الذين يُثبِّطون الناس عن طلب العلم والتفقه في الدين فهؤلاء أضر عليهم من شياطين الجن، فإنهم يحولون بين القلوب وبين هدى الله وطريقه"[85].
قال الشعبي: "كل أمة علماؤها شرارها إلا المسلمين، فإن علماءهم خيارهم"[86].
قال ابن تيمية: "أهل السنة في الإسلام، كأهل الإسلام في الملل، وذلك أن كل أمة غير المسلمين فهم ضالون، وإنما يُضلهم علماؤهم، فعلماؤهم شرارهم، والمسلمون على هدى، وإنما يتبين الهدى بعلمائهم، فعلماؤهم خيارهم. وكذلك أهل السنة أئمتهم خيار الأمة، وأئمة أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب".
وقال بدر الدين بن جماعة: "واعلم أن جميع ما ذكر من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذين قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم لا من طلبه بسوء نية أو خبث طوية أو لأغراض دنيوية من جاه أو مال أو مكاثرة في الاتباع والطلاب"[87].
الخاتمة
ومن هذه النقول يتضح لك يا طالب العلم عظم المسؤولية الملقاة على عاتقك، فأنت تحمل ثلاث مسؤوليات:
المسؤولية الأولى: مسؤولية نفسك.
المسؤولية الثانية: مسؤولية هذا الدين الذي حملته وأصبحت أميناً عليه.
المسؤولية الثالثة: مسؤولية هذه الأمة التي من مسؤوليتك تعليمها وإرشادها، وألا تبخل عليها بالتوجيه والنصح.
ولا يخفى على طالب العلم أن ما عليه حال كثير من الناس اليوم من ضلال وانحراف هو سبب بعدهم عن شرع ربهم ومعلوم أن صلاح أحوال الناس مرهون بعودتهم إلى دينهم والتمسك بشرع ربهم.
وهذه حقيقة متقررة لا جدال فيها ولا مراء، وطلبة العلم هم حملة لواء الشريعة والأمناء على ميراث النبوة، وعندهم طب الناس ودواؤهم، فلو أنهم قاموا بواجبهم حق القيام لتغير - بإذن الله - حال الناس ولاستقامت أمورهم، ولأصلح الله من شأنهم.
وإنه لمن العجيب أن ترى أصحاب الباطل ينشطون في باطلهم ويبذلون له كل غال ونفيس ويتفانون ويتفننون في خدمة ذلك الباطل سواء كان ديناً محرفاً أم فكراً فاسداً أو لهواً محرماً، وبينما ترى بعض أصحاب الحق وطلبة العلم الشرعي الصحيح لا يبذلون من الوقت والجهد كما يبذل أولئك مع ما هم عليه من الحق والفضل والأجر، وما عليه أولئك من الإثم والخزي والخسران المبين في الدنيا والآخرة.
وأعجب من ذلك أن يركن طالب العلم للدنيا وحطامها الفاني وزخرفها الزائل ولا يسعى لتحصيل العلم الذي هو السبيل إلى جنة الخلد الباقية، فلا يليق بطلاب العلم أن يركنوا إلى الدعة والراحة والاشتغال بملاذ العيش ووسائل الراحة والرفاهية التي شاعت في عصرنا الحاضر.
وليعلم طالب العلم أنه إن فوت تحصيل العلم وضيع الأيام والليالي وسَوَّفَ في ساعات الشباب ولم يبادر نفسه ويلزمها مجالس التحصيل والدرس ويغتنم أوقات الفراغ والقوة والنشاط، فإن ذلك إذا مضى لن يعود، فإذا هو فرط في أمانة التحمل ولم يحصل العلم، فإنه من باب أولى أن يكون مفرطاً في مسؤولية الأداء وتبليغ شرع الله، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
فحري بطالب العلم أن يستشعر مسؤوليته ويقوم بواجبه تجاه العلم الشرعي تعلماً وعملاً وتعليماً.
وذلك "بسلوك هدي الأنبياء وطريقتهم في التبليغ من الصبر والاحتمال ومقابلة إساءة الناس إليهم بالإحسان والرفق بهم، واستجلابهم إلى الله بأحسن الطرق وبذل ما يمكن من النصيحة لهم"[88].
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
--------------------------------------------------------------------------------
* بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية العدد (119).
[1] مفتاح دار السعادة 1/56.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين 269.
[3] مفتاح دار السعادة 1/164.
[4] مفتاح دار السعادة 1/48- 49.
[5] نفس المصدر 1/50.
[6] سيأتي تخريجه في ص 12.
[7] مفتاح دار السعادة 1/66.
[8] أخرجه البخاري في صحيحه (رقم 71)، ومسلم في صحيحه (رقم 1037).
[9] أخرجه أبو داود (رقم 3641 و 3642)، وابن ماجه (رقم 223)، والدارمي (1/98)، وابن عبد البر (ص 37، 38، 39، 41)، وأحمد في المسند (1965) والحديث حسن بشواهده. انظر: الفتح (1/160).
[10] تذكرة السامع والمتكلم ص 8.
[11] أخرجه البخاري في صحيحه 13/502 (مع الفتح) برقم 7529. ومسلم في صحيحه برقم 815.
[12] مفتاح دار السعادة 1/62.
[13] أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/150، والترمذي في سننه كتاب الدعوات، باب 83، 5/532 ح3510. وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ثابت عن أنس.
[14] أخرجه مسلم في صحيحه 1631.
[15] مفتاح دار السعادة 1/175.
[16] أثر معاذ أخرجه ابن نعيم في الحلية 1/239.
[17] ذكره أبو نعيم في الحلية وغيره، وقال أبو بكر الخطيب: هذا حديث حسن من أحسن الأحاديث معنى وأشرفها لفظاً. انظر: مفتاح دار السعادة 1/123.
[18] انظر: لسان العرب مادة (همج) (2/392).
[19] انظر: مفتاح دار السعادة (1/125-126).
[20] تذكرة السامع ص 10.
[21] جامع بيان العلم وفضله (1/232 رقم257).
[22] تذكرة السامع ص10.
[23] نفس المصدر ص 11.
[24] جامع بيان العلم وفضله (1/123-124 رقم118،119،120).
[25] تذكرة السامع ص 13
[26] انظر: مفتاح دار السعادة (1/125-126)
[27] أخرجه البخاري في صحيحه (رقم 79)، ومسلم في صحيحيه (رقم 228).
[28] أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/225. وابن ماجه في السنن 236.
[29] جامع بيان العلم وفضله 1/378 برقم 531.
[30] أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/126-127، وأبو داود في السنن برقم 4607، والترمذي في السنن برقم 2676، والدارمي في المسند 1/44.
[31] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه رقم52، ومسلم في صحيحه، مساقاة رقم 107.
[32] مفتاح دار السعادة 1/41-42.
[33] تذكرة السامع والمتكلم ص 67.
[34] ديوان الشافعي ص 54، جمع محمد عفيف الزعبي.
[35] جامع بيان العلم وفضله 1/476 رقم759.
[36] أخرجه مسلم في صحيحه رقم 332.
[37] تقدم تخريجه.
[38] جامع بيان العلم وفضله 1/474 رقم756.
[39] أخرجه الدارمي في سننه 1/141، وأبو خيثمة في "العلم" 133.
[40] جامع بيان العلم وفضله 1/383 رقم547-548.
[41] مفتاح دار السعادة 1/168.
[42] جامع بيان العلم وفضله 1/383 رقم550.
[43] نفس المصدر 1/384 رقم551.
[44] نفس المصدر 1/383 رقم549.
[45] نفس المصدر 1/387 رقم560.
[46] مفتاح دار السعادة 168.
[47] جامع بيان العلم وفضله 1/464 رقم 726.
[48] نفس المصدر 1/381، وانظر مفتاح دار السعادة 1/168-169.
[49] جامع بيان العلم وفضله 1/448 رقم699.
[50] الجامع للخطيب 1/317 رقم 384-385
[51] جامع بيان العلم وفضله 1/423 رقم625.
[52] نفس المصدر 1/521 رقم845
[53] مفتاح دار السعادة (1/169-170).
[54] جامع بيان العلم وفضله 1/335 رقم447.
[55] نفس المصدر 1/709 رقم1284
[56] جامع بيان العلم وفضله 1/707 رقم1274.
[57] مفتاح دار السعادة (1/172).
[58] جامع بيان العلم وفضله 1/496 رقم789.
[59] نفس المصدر 1/492 رقم781.
[60] شرف أصحاب الحديث ص 17
[61] الجامع للخطيب 1/494 رقم 699
[62] تذكرة السامع والمتكلم ص 68-70، بتصرف.
[63] علقه البخاري في صحيحه 1/166، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 8/540، وا