حتى لا تضيع مصر

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


حتى لا تضيع مصر


انتهى عام 2012، واستودعناه الله، وطُويتْ صفحته، بكل ما تم تسجيله فيها
من أحداث ومواقف وشخصيات وأطروحات وأزمات ونجاحات وإخفاقات وكوارث وحوادث،
وبوادر أمل فى بعض الأوقات، وأسباب يأس فى أوقات أخرى، مضى عام 2012
والمشهد ما زال متحركا، ومصر ما زالت تتقلب، لتتخير لنفسها جانبا تستقر
عليه، وقد اتفقنا واختلفنا، واحتدت اللهجة، وارتفع الصياح، وحصل التوافق
أحيانا، وسالت الدماء أحيانا أخرى، وتم تسجيل صفحة من التاريخ، ستأتى أجيال
من بعدنا لتدرسها، وتقوم بتحليلها، وتستخرج وثائقها، بعد أن تكون المآلات
والنتائج المترتبة على كل موقف قد تبينت، وبعد أن تكون قد مضت سنواتٌ طوال
على انقضاء هذا الجيل، وأخذت كل رؤية أو أطروحة وقتها الكافى، الذى تظهر
فيه ثمراتها، وتتمكن الأجيال القادمة حينئذٍ من معرفة المصلح من المفسد،
والصادق من المدعى، وتتمكن من معرفة من أخذ البلد إلى عمار، ومن أخذها إلى
دمار، وقلم التاريخ لا يتوقف عن التدوين والرصد والتسجيل والتوثيق لكل كلمة
يتم طرحها والدفع بها إلى ساحة الأمة المصرية، فانتبهوا يا قوم إلى أن
هناك رقيبا أمينا اسمه «التاريخ»، وهو مرآة صادقة، لا تضيع فيها الحقائق
والتحالفات، والاتفاقيات المبرمة فى الخفاء، ولا تغيب عنها المقاصد؛ لأنها
تنكشف بالتدريج بعد سنوات، فتذكرنا الأجيال من بعدنا بكل سوء، أو بكل خير،
وقد قال الشاعر:

ومهما تكنْ عند امرئٍ من خَلِيقَةٍ *** وإنْ خَالَهَا تخفى على الناس تُعْلَم

وسوف تكتشف الأجيال من بعدنا حقائق الأمور، فى الوقت الذى نكون فيه
جميعا قد غادرنا الحياة وسلّمنا الأمانة ووقفنا فى موقف المحاسبة، حتى
يُسْأل كلُّ إنسانٍ منا عمَّا فعل، ويتحمل نتيجة قراراته واختياراته
وأفعاله وردود أفعاله، وقد دعا خليل الرحمن إبراهيم فقال: «واجعل لى لسان
صدق فى الآخرين»، قال ابن جرير فى تفسيره: «واجعل لى فى الناس ذكرا جميلا
وثناء حسنا باقيا فيمن يجىء من القرون بعدى»..

أقول هذا كله حتى يتذكر كل طيف من أطياف المجتمع أن يعيد النظر فى
مواقفه، وألا تستخفه الأحداث، فتضيع منه المقاصد الكبيرة، تحت ضغط التفاصيل
والأحداث المتلاحقة وزحام الأشخاص والمواقف وردود الأفعال، وحتى لا نفاجَأ
جميعا بعد فترة من الزمن بتحولٍ وشَرْخٍ كبيرين فى المقاصد والمبادئ.

ثم إننا نستقبل عاما جديدا، تجرى فيه انتخابات مجلس الشعب، وبعدها
تشكيل حكومة جديدة، وقبلهما أزمة اقتصادية كبيرة وخطيرة وتباين واضح فى
وجهات النظر، حول تحديد مسار البلد، ولهجة شديدة وحادة بين التيارات
المختلفة وتشكيك متبادل فى المصداقية والوطنية وحالة انعدام للثقة بين
الفئات المختلفة، تؤدى إلى شك وارتياب فى كل ما يصدر عن الآخر، ومواطن بسيط
يعانى شدة المعيشة وارتفاع الأسعار فى صمت، وقلق عند أهلنا الكرام فى أرض
النوبة الطيبة، حتى أسس بعض النوبيين حركة مسلحة اسمها «كتالة» تهدد
بالانفصال، ومخاطر غير واضحة المعالم فى سيناء.. فهذه ملفات تنتظر عام
2013م، لعله يكون عام انفراج وسكينة، تجد فيه مصر بوادر توفيق فى أزماتها،
وتهب على المصريين نسائم استقرار.

ولا بد أيضا لكل العلماء والدعاة والشيوخ، من جميع التوجهات
والأطياف والمشارب، أن يحددوا «قضية العام» التى تدور حولها خطبهم ودروسهم
ومحاضراتهم وبرامجهم، ويتوجهون إلى الشعب المصرى العظيم، من خلال كل
المنافذ المتاحة للتواصل الجماهيرى، وأن تكون هى قضية «العمل والإنتاج»؛
لأنها واجب الوقت، ولأنها الفريضة الغائبة، ولأنها هى ما أفهمه من النسق
الشرعى الجليل، فى توجيهه لأزماتنا المعاصرة، فتكرموا جميعا بمخاطبة الشعب
المصرى بوجوب العمل، وإعادة تشغيل كل الإمكانات المعطلة فى هذا البلد
الكريم، حتى تعمل المصانع بكامل طاقتها والحقول والمزارع والشركات
والمؤسسات الحكومية والخاصة، وحتى يلمس الشعب المصرى العريق فى عام 2013
قضية قومية كبرى، يؤمن بها، ويتحمس لها، ويخلص فى التفانى من أجل تحقيقها،
ويرى الأمل الكامن وراءها، وحتى يسمع الشعب المصرى العظيم من الآيات
القرآنية المعظمة والأحاديث النبوية المشرفة والمبادئ والمفاهيم الإسلامية
الرصينة الراقية والنماذج الناجحة التاريخية والمعاصرة، ما يرى من خلاله
محاسن الشريعة وكمالاتها، وشدة حرصها على رخاء الإنسان واحتياجاته وتوفير
متطلباته، وحتى يعلم الناس أن الشريعة جاءت لتكفل لهم النجاح والرخاء
والتوفيق فى الدنيا والآخرة، وحتى يتبين الناس أن الشريعة جاءت لتعطى،
ولتبنى حضارة، ولتصنع إنسانا منتجا ناجحا فى دنياه لينجح فى أخراه
.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أسامة السيد الأزهرى