[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ما هى السياسة؟ عماد الدين أديب
البعض يعتقد أن «السياسة» فى مصر، هى النخبة والأحزاب والدستور
والصحف والقنوات الفضائية وعشرة آلاف عضو فى نادى «لعبة السياسة» المصرية
يتداولون الكراسى بشكل تبادلى.
وإذا كانت أثينا القديمة قد عرفت علم السياسة بأنه «علم الرئاسة»،
وتم تعريفه من قبل أساتذة العلوم السياسية المحدثين فى الولايات المتحدة
الأمريكية بأنه علم «الحكم»، فإن الفهم المصرى المعاصر لما هو سياسة هو فهم
قاصر.
وتزداد هذه الأنظمة إذا ما قمنا بإنزال النظرية وتطبيقها على الواقع.
مثلاً، فى الوقت الذى يعتقد فيه البعض أن موضوع الدستور وحده دون
سواه هو قمة الانشغال فى العمل السياسى، لا يتوقف البعض طويلاً أمام ملفات
أخرى لا تقل أهمية عن موضوع الدستور: مثل أزمة 7 ملايين فلاح فى الحصول على
حصتهم العادلة من الرى، أو ارتفاع سن العنوسة فى مصر لدى السيدات، أو
ارتفاع سن الزواج لدى الشباب، أو زيادة حالات التحرش الجنسى، أو ظاهرة زنا
المحارم التى ارتفعت فى الأقاليم.
ولا يعتقد البعض أن شيوع فيروسات قاتلة للماشية، أو نفوق مئات
الآلاف من الكتاكيت لأسباب غامضة، أو تجارة السوق السوداء فى السولار هى
قضايا سياسية.
السياسة فى مفهوم النخبة هى القضايا والمسائل الكبرى التى تتركز فى
العاصمة ويهتم بها نادى الكبار، أما قضايا المحليات وأزماتهم فتلك مسائل
فرعية لا دخل للسياسة والساسة بها.
ولو تأمل البعض جيداً هيكل العمل السياسى فى الدولة مثل الولايات
المتحدة فسوف يكتشف أن اجتماعات مجالس المدن الصغيرة هى نواة العمل السياسى
أو أنها أهم من اجتماعات مجلسى الشيوخ والنواب.
وهناك درس عظيم يتعلمه من يترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية وهو
«أن من يؤثر فى المجالس المحلية ومجالس المدن هو الذى يمكن له أن يحصل على
أكبر قدر من التمويل الشعبى والصوت الجماهيرى».
إن حل مشكلة الإعصار «ساندى» الذى يجتاح الساحل الشرقى من قبل ولاية
نيويورك اضطر المرشح الرئاسى أوباما إلى تأجيل انتقاله من واشنطن لنيويورك
وحرصه على توفير كافة الإمكانيات لدعم الولاية فى مواجهة الإعصار، فلا
يمكن الحديث عن السياسة دون حماية المواطنين وتأمينهم، فالسياسة هى خدمة
المواطن بالدرجة الأولى.
لا تحدثنى عن الشعارات المنمقة، ولا عن الثأر مع الماضى والحاضر،
ولا عن المساجلات والمبارزات الكلامية التى يحاول فيها كل طرف التحقير من
الآخر.
حدثنى عن شوارع أنظف، وعن سولار متوفر، وعن رغيف خبز نظيف، وعن خدمة صحية متوفرة للجميع.
حدثنى بالله عليك عن رعاية 12 مليوناً من ذوى الاحتياجات الخاصة، و7
ملايين من أصحاب الضمان الاجتماعى، وعن سكان العشوائيات والمقابر والقرى
النائية المنسية فى صعيد مصر.
حدثنى عن الشباب العاطل فى البيوت الذى يشكل ضغطاً نفسياً ومادياً على الآباء والأمهات، وعن ضرورة إيجاد فرص عمل حقيقية لهم.
حدثنى عن حلول جدية وعلمية وقابلة للتنفيذ لهموم الناس، عندها فقط، أعرف أن ما تقوله هو السياسة الحق، وأنك بالفعل رجل سياسى.