أممكن؟

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

أممكن؟


معتز بالله عبد الفتاح

مشاكل مصر كثيرة وكثيرة جداً. وهى مشاكل على مستوى الفرد وعلى
مستوى المجتمع وعلى مستوى الدولة. وكلها فى النهاية تصب فى إضعاف «القوة
الشاملة للدولة».

على مستوى الفرد، توجد درجة عالية من الحقد والغيظ والغل بين قطاع
من المصريين يبدو معها الأمر وكأن قطاعاً منا يكره النجاح للآخرين مهما
كانت أسباب نجاحهم. قال صديق ناقداً أحد السياسيين بحدة «إنه يسعى لتدمير
الوطن». ووجدت فى كلامه مبالغة غير لائقة بالرجل الذى أعرف أن معارضته
للنظام القائم نابعة من رؤيته لحتمية وجود معارضة قوية مع احترام نتيجة
الانتخابات، شريطة أن يحترم من هم فى السلطة الانتخابات أيضاً باعتبارها
جزءًا من ثلاثية الديمقراطية: ديمقراطية الوصول إلى السلطة، وديمقراطية
ممارسة السلطة، وديمقراطية الخروج منها.

ولهذا قلت وأكرر أنه من المنطقى أن تضع المعارضة وقيادات الرأى
العام النار تحت مقعد الرئاسة شريطة ألا يتم حرق الكرسى. لا بد أن يعرف من
هم فى السلطة أن هناك من يتوقع منهم الكثير وأن أخطاءهم لن تمر دون محاسبة،
ولكن هذا لا يعنى تدمير قواعد المنافسة السياسية.

لا بد للمعارضة أن تكون قوية وقادرة على أن تعبّر عن وجهة نظرها. لا
نريد لمصر أن تكون مثل فنزويلا حين شافيز يفوز فى انتخابات حرة لكنها ليست
نزيهة، يشوبها الكثير من العوار لدرجة أن أنصاره يمنعون منافسه من الدعاية
الانتخابية فى بعض المناطق بدعوى أن المنافس لا مكان له هنا. لا نريد لأحد
أن يلتف على الإرادة الشعبية والدستورية بأن يكون الحد الأقصى لفترات بقاء
الرئيس فى السلطة أكثر من مرتين حين نجح شافيز فى إزالة الحد الأقصى فى
استفتاء شعبى.

وعلى مستوى المجتمع، فإن مشاكل المجتمع هى حاصل مجموع مشاكل أفراده
ومشاكل نخبته السياسية والثقافية. هناك أزمة ثقة شديدة فى المجتمع (وهذا هو
جوهر ما يسمى برأس المال الاجتماعى) وهى أزمة تنفجر على مستويات عدة سواء
فى الشعور بالاغتراب والرغبة فى الهجرة والإحساس بانعدام الأمل وصولاً إلى
تغليب المصالح الفردية والفئوية على الصالح العام.

وعلى مستوى الدولة، فلا شك أنه مهما كان تقييمنا لما تم إنجازه أو
ما لم يتم إنجازه حتى الآن، فإن الدولة المصرية وحكومتها لم تصل بعد إلى
مرحلة إرضاء طموحات المصريين. وهى مسألة ستأخذ وقتاً لأنها لا بد أن تبدأ
بمرحلة «وقف التدهور» أو السيطرة على خسائر المرحلة الانتقالية، ثم تبدأ
الأمور فى التحسن إن كان مكتوباً لها أن تتحسن.

والحكومة (وزراء ومحافظين) عليها مسئولية ضخمة بحكم أنها المسئولة
عن ملفات الخدمات اليومية التى يحصل عليها المواطن. ولا شك أن طبيعة
الحكومة الحالية والتى يغلب عليها الطابع التكنوقراطى هى كذلك تعانى مما
يعانيه المجتمع بصفة عامة من أزمة ثقة وتخوف من المستقبل وهو ما تم التعبير
عنه إعلامياً باسم «الأيادى المرتعشة». وهى واحدة من عيوب الحكومات
التكنوقراطية فى مقابل الحكومات الحزبية. الحكومة التكنوقراطية مثل أن تقام
مباراة بين فريقين أحدهما مجرد تجميع للاعبين يأتون من فرق مختلفة ويلتقون
قبل المباراة بأيام معدودات وتكون غير كافية لتحقيق الانسجام بينها. أما
الحكومة الحزبية فيكون من أهم خصائصها أن الانسجام بين وزرائها كبير ولا
تعانى من عدم الثقة لأن المكسب جماعى والخسارة جماعية. أما فى حالة الحكومة
التكنوقراطية فالمكسب فردى والخسارة فردية.

لدينا مشاكل، وعلاجها يحتاج مكاشفة للنفس، وتوازناً فى الطرح، بعيداً عن الغل وتصفية الحسابات الشخصية. أممكن؟