قلت لبرما: هل تعتقد أن هناك ناس على الكوكب كمالة عدد؟ فقال: مستحيل، كل شخص موجود هنا لا غنى عنه
على عكس ما يبدو، قد تعتقد أن الحياة ستكون أجمل بدون هؤلاء الأشخاص، لكن أؤكد لك أنها كانت ستسير إلى الأسوأ بدونهم.
قلت له: مش فاهم.
فقال: لولا الجار المؤذى ما فكرت يوما فى البحث عن سكن جديد وتغيير العتبة، الجار المؤذى
موجود فى الكوكب ليدفعك لعمل نقلة فى حياتك ما كنت لتفكر فيها لولا وجوده، الناجح يلهمك، والفاشل أيضا
يلهمك ربما بدرجة أكبر، هناك نماذج بشرية تدفعك للأفضل بأن تتعلم منها ومن تجربتها وتقلدها،
وهناك نماذج بشرية تدفعك للأفضل بأن تتعلم منها أن لا تصبح مثلها أبدا.
قلت له: ذكرتنى بمقولة للخواجات «ما لم تستطع أن تكون قدوة فلتكن عبرة»، قال: هو كده بالضبط،
كل شخص موجود فى مكانه له دور حتى لو لم تفهمه فى ساعتها.
لا بد من وجود محمود المليجى حتى يصبح فريد شوقى ملك الترسو.
لا بد من وجود الشخص المزعج الذى لا يرفع يده عن الكلاكس حتى تتعلم منه حسن إدارة دواسة الفرامل فى سيارتك،
فتزيد ثقتك فى نفسك، فلا تعش حياتك مذعورا مثل هذا الرجل. لا بد من وجود الشخص اللزج الزنان
الذى يقول لك «مش هنرقص فى فرحك بقى؟» بالرغم من أنه هو بالذات لا يغادر ترابيزته طول الفرح،
لكن لولاه ولولا لزاجته ما كنت لتسعى لهذه الخطوة.
قلت له: والفقراء يا برما؟
قال برما: الفقراء هم سر حركة الكون، النقَّاش الذى لا يعمل ما دام فى جيبه عشرون جنيها، كيف كنا سنعيش بدونه
ما لم تعوزه الحاجة إلى العمل؟ «إحنا أصلا كلنا بنشتغل عند بعض»، الثرى برأس المال والأقل ثراء بالجهد،
تخيل لو الجميع لديهم طاقة جبارة للعمل اليدوى ولا أحد يمول هذه الطاقة ليحولها إلى ثمرات، أو أن الجميع أثرياء جدا
ستجد البشرية وقتها عبارة عن أشخاص بكروش يجلسون فى الظل يعدون نقودهم ثم يلتهمونها من الجوع،
لا بد من وجود ناس أقل منك حتى تحمد الله على ما أنت فيه، تحمده فيزيدك، ولا بد من وجود ناس أغنى منك
حتى تحسدهم فيضيق بك الحال فتحترم نفسك فتصبح شخصا أكثر صفاء،
فتحمد الله فيزيدك ربما أكثر من الذين كنت تحسدهم من قبل.
تنهد برما ثم قال: قد يبدو بعض الناس متعبا فى التو واللحظة، لكنك ستتأكد لاحقا من أهمية وجود كل شخص.
قلت له: هناك أقارب ليس لهم أى لازمة فى الوجود وحمل على الواحد يا برما.
قال برما: الثابت علميا فى قناعتنا أن «ماحدش بياخد أكتر من نصيبه»، هل فكرت يوما أن
«ماحدش بياخد أكتر من نصيبه إلا بصلة الرحم»؟ هذا ليس كلاما من عندى، ده كلام النبى هو الذى قال فى ما معناه
«أن من سره أن يمد له فى عمره ويوسع له فى رزقه فليصل رحمه»، ربما تكون هناك مشقة فى التواصل معهم،
ولكن على قدر المشقة فى صلة الرحمة يكون رزقك، يا صديقى ربنا بيرزق الناس بالناس، فما بالك إذا كانت هذه الناس قريبة؟
قلت له: والحاكم الظالم يا برما؟
قال برما: الحاكم الظالم يمهد الأرض بظلمه لوصول الحاكم العادل، طب الكفار؟
عندك شك أن الكفار أصحاب نعمة كبيرة علينا؟ فلولا الكفار ما نزلت رسالة ولا كنا شرفنا بالأنبياء،
عودة لحياتنا اليومية. لا بد من شخص يركن صف ثانى ويشد التعشيقة ويحبسك لساعتين أو أكثر حتى تفكر ألف مرة
قبل أن تفعل هذه الحركة المؤذية، وبتجنبها تصبح إنسانا محترما تعلم الاحترام من شخص سخيف.
لا بد من شخص سليط اللسان حتى تلتقط من مزبلة فمه بالصدفة كلمة نقد صادقة فى قلبها جوهرة قد تغير حياتك.
لا بد من شخص ثقيل الدم حتى تتعلم أن تكون خفيفا «كن خفيفا ترى الوجود جميلا». لا بد من المتفذلكين
حتى يحركوا الماء الراكد فى أذهان المغفلين، ولا بد من المغفلين حتى يسحبوا الكهرباء الزائدة فى أذهان المتفذلكين.
لا بد من الظلام حتى تسعى إلى النور، سيدنا موسى شكت له زوجته من الظلام
فراح يبحث عن قبس من نار فعاد إليها نبيا. لا بد من شخص يجرح مشاعرك حتى تكتب الشعر،
وأشخاص يحيرونك حتى تنضج روحك وتستوى أفكارك، أشرار يوقظون الشجاعة النائمة بداخلك،
ونصابين يدربونك على اليقظة، أقولهالك إزاى مش عارف؟ بص يا معلم.. لا بد من وجود عمرو الصفتى
حتى تعرف قيمة إبراهيم صلاح، ولا بد من وجود إبراهيم صلاح حتى تعرف قيمة شيكابالا،
ولا بد من وجود شيكابالا لتوقن أن الأدب فضلوه على العلم.
قلت له: طيب هناك شخصيات لا أرى فيها سوى القبح يا برما؟
قال برما: الجمال لا يكمن فى الأشياء يا صديقى ولكن يكمن فى المتلقى، ووجود القبح يدربك على البحث عن الجمال،
لأن الله جميل فهو يحب الجمال، لو كانت الجملة «الله يحب الجمال» فقط لكان هذا يعنى أن فى خلقه ما هو جميل
وما هو قبيح، وبالتالى فهو يحب الجمال ولا يحب ما دونه، لكن لأن الله جميل فهو يرى الجمال فى كل شىء
حتى ما تعجز أنت عن رؤيته، لأنك لست جميلا بالقدر الكافى.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]