[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أحفاد فاسدون لأجداد مخلصين معتز بالله عبد الفتاح
أعظم ما فى الديمقراطية هو فكرة التداول السلمى للسلطة. وأحسب
أن هذا هو ما يميزها عن أى نظام سياسى آخر. ولو كان المفكرون المسلمون قد
طوروا آلية للتداول السلمى للسلطة بين الخلفاء المسلمين دون انتظار القتل
أو الموت، لكان المسلمون الآن يقودون العالم فى كل المجالات.
هذا الاختراع المسمى «التداول السلمى للسلطة» فضيلة لا ينبغى أن
نضحى بها تحت أى ظرف أو لأى سبب. لا يوجد عندى مانع أن تكون فترة رئيس
الجمهورية 4 سنوات على النمط الأمريكى أو 5 سنوات على النمط الفرنسى، ما
دام سيظل فى السلطة لمدة واحدة ثم انتخابات لو فاز فيها المرشح لاستمر فى
السلطة لفترة واحدة تالية.
وأعظم ما فى «التداول السلمى للسلطة» أنه أفضل آلية لمحاربة الفساد.
ورغم أن التداول السلمى للسلطة بذاته لا ينفى وجود بعض الفاسدين والساعين
لاستغلال نفوذهم، لكن وجود تقاليد مؤسسية تقضى باحتمال أن يأتى إلى الحكم
أشخاص لهم خلفية سياسية وحزبية مختلفة مع كل انتخابات جديدة يوفر البنية
المؤسسية التى تكشف عن الفساد السابق وتردع الفساد اللاحق. ولنأخذ اليابان
مثالا.. فلقد ظل الحزب الليبرالى يحكم اليابان لمدة 40 سنة حتى مطلع
التسعينات، وعندما نجح تحالف المعارضة آنذاك فى الوصول إلى السلطة سمعنا عن
عشرات قضايا الفساد، سواء السياسى أو المالى أو الإدارى، مما استتبع
انتحار العديد من المسئولين اليابانيين وسجن عدد من الوزراء السابقين.
لماذا؟ لأن المسئول الجديد لا يقبل أن يحاسَب على خطايا غيره، بل
على العكس فإن دوره أن يكشف عن سوء استخدام السلطة من السابقين عليه.
وحتى لا يبدو هذا الطرح غريبا عن البيئة المصرية فقد شهدت مصر
مثالاً مهماً فى دلالته، وحتى إن لم يكن مهماً فى مضمونه؛ حيث نقلت إحدى
الصحف أن رئيسا جديدا للهيئة العامة للخدمات البيطرية تولى مسئولية إدارة
الهيئة، فقام بحصر الحيوانات الموجودة بحديقة الحيوان، وتبين نفوق 720
نوعا من الحيوانات خلال العامين الماضيين فقط وقيمة هذه الحيوانات نحو
ثمانية ملايين جنيه، فأبلغ النيابة الإدارية للتحقيق فى أسباب اختفاء هذه
الحيوانات. فالجديد لا يريد أن يتحمل مسئولية وأخطاء السابقين عليه.
وهو ما لم يكن بعيدا عن تصريح مكتب النائب العام فى جنوب أفريقيا
حين أعلن أن الرئيس الجديد لجنوب أفريقيا سيظل يخضع للتحقيق فى قضايا فساد
سابقة حتى بعد أن يصبح رئيسا للدولة، فرئاسته للدولة لا تعفيه من الخضوع
للرقابة والمساءلة والمحاكمة على ما اقترفه قبل وصوله للمنصب الرفيع.
لكن هذا المستوى من محاربة الفساد يقتضى تقوية المؤسسات واحترام
قواعدها، كل قواعدها، كل الوقت. وهو جزء أصيل مما فقدته مصر بحكم سيطرة
تحالف السلطة والثروة والإكراه الذى حكم مصر لفترة طويلة.
إذن الواجب العملى علينا ألا نقبل دستورا لا توجد فيه ولاية رئاسية
محكومة بفترتين رئاسيتين، ولا يوجد فيه إشراف قضائى كامل على العملية
الانتخابية من خلال مفوضية عليا للانتخابات، ولا توجد فيه ضوابط تضمن ألا
يتحول الرئيس إلى الحاكم بأمر الله فى شئون الخلق إلى ما شاء الخالق.
مصر متخلفة عن ركب الحضارة، وهذا منطقى. مقومات التخلف كانت موجودة،
ولم تزل. هل ستكون متخلفة بعد عشرين سنة من الآن؟ القرار بيد الأحياء من
بيننا: إما أن يأخذوا بأسباب العلم والتقدم وإما أن يعيشوا أبد الدهر
يتغنون بأمجاد الماضى مرددين: نحن عرايا، ولكن أجدادنا هم من اخترعوا
الملابس. نحن متخلفون، لكن أجدادنا أبهروا العالم بما أنجزوه. نحن فاسدون،
لكن أجدادنا كانوا قمة فى النزاهة والاستقامة.
للتقدم أسبابه، وللتخلف أسبابه. قل لى بأى أسباب ستأخذ، أقُل لك إن كنت تسير فى طريق التقدم أم التخلف.