رسالة إلى كارهى الآخرين

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
رسالة إلى كارهى الآخرين

معتز بالله عبد الفتاح

بعد أحداث سبتمبر 2011 فى الولايات المتحدة كان التخوف والعداء
ضد المسلمين فى قمته. وكنت أُدرّس مقرراً عن «الإسلام والسياسة». وشاء قدرى
أن يكون نصف الطلاب تقريباً من المسيحيين المتعصبين. وكانت عندهم رغبة
حقيقية فى تشويه الإسلام وإلصاق الاتهامات به.

ولأننى مسلم كنت هدفاً سهلاً لانتقاداتهم باعتبارى «الممثل الرسمى
للإسلام» فى الفصل الدراسى. وبعد أن تطورت علاقتى بهم، فوجئت باثنين منهم
يأتيان إلى مكتبى باقتراح محدد وهو أن نقيم الصلاة فى قاعة المحاضرات عسى
الله أن يهدينى أنا شخصياً لأننى من وجهة نظرهم «كافر». الحقيقة أن حماسهم
لدينهم كان واضحاً، ولم تكن المسألة بالنسبة لمعظمهم عناداً بقدر ما كانت
إيماناً عميقاً بدينهم ورغبة حقيقية فى أن يكونوا سبباً فى هداية شخص غير
مسيحى مثلى للقيم المسيحية. حماسة أعلمها جيداً لأنها عند كل مسلم يرى أن
دينه الحق وأن ما دونه الباطل.

ومع الكثير من النقاش والترجمة لما جاء فى القرآن الكريم، بدأوا
يستشعرون أن «الإسلام» الذى كانوا يعتقدون فيه قبل المقرر الدراسى ليس
متطابقاً مع ما يؤمن به المسلمون. ولكن القضية الأعقد والتى أخذت منا بعضاً
من الوقت، لماذا يقرر القرآن الكريم مبدأ مثل: «لو شاء ربك لآمن من فى
الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» وعدد الآيات التى
تقرر مبدأ الحرية فى العقيدة حوالى 120 آية كريمة، وغيرها من مبادئ كثيرة
مشتركة بين عدد من الأديان والفلسفات العالمية. وسأستعرض منها مبدأ واحداً
وهو العدالة القائمة على المساواة. هذه الفكرة موجودة منذ عهد حمورابى
(حوالى 1780 قبل الميلاد) حين قرر أن العين بالعين وأن السن بالسن.

وفى الصين القديمة قال كونفوشيوس: «لا تفرض على الآخرين ما لا تحب للآخرين أن يفرضوه عليك».

وفى مصر القديمة كانت فكرة «الماعت» التى ظهرت فى ما قاله الفلاح
الفصيح والذى كان فى عصر الدولة الوسطى (2000 سنة قبل الميلاد): «هذا هو
العدل: افعل مع الآخر فقط ما تحب أن يفعله الآخر معك».

وفى اليونان القديمة فإن هذه العبارة وردت عدة مرات مثل قصة بيتاكوس
(640 قبل الميلاد): «لا تعامل جارك إلا بالطريقة التى تحب أن أن يعاملك
جارك بها».

وفى الحضارة الهندية القديمة هناك معنى مشابه ورد فى Mahābhārata فى
حوار بين الوزير والملك الحكيم الذى يوصى شعبه بأن يجعلوا هذا المبدأ جوهر
علاقتهم ببعضهم البعض.

وفى البهائية وردت عبارة قالها بهاء الله يقول فيها: «طوبى لمن يفضل أخاه على نفسه».

وفى البوذية، يقول سيدروهاتا جوتاما (بوذا): «لنضع أنفسنا مكان الآخرين، فلا نضرهم ولا يضروننا، ولا نقتلهم ولا يقتلوننا».

وفى اليهودية: جاء فى سفر اللاويين (9: 18): «لا تحمل عداءً أو ضغينة لأبناء شعبك، وأحب جارك كما تحب نفسك، هذا أمر من الخالق».

وفى المسيحية، يقول السيد المسيح: «كما تحب أن يعاملك الآخرون، فعليك أن تعاملهم أيضاً». (لوقا، 6: 31).

وفى الإسلام جاء نفس المعنى فى القرآن الكريم بإدانة المطففين الذين
يعاملون الناس بمعايير مختلفة، وجاء فى الحديث الشريف: «لا يؤمن أحدكم حتى
يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

إذن الرسالة هى: أولاً، الحكمة قديمة قدم سعى الإنسان لها، وليست
مرتبطة بدين واحد أو فلسفة محددة. ثانياً، البشر يتكلمون مع خالقهم بأديان
مختلفة (يهودية، مسيحية، إسلامية) كما يتحدثون معه بلغات مختلفة (إنجليزية،
فرنسية، عربية). ثالثاً، «ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وسيحكم الله
بيننا يوم القيامة فى ما كنا فيه مختلفين. رابعاً، لكارهى الآخرين، كفّوا
عنا آذاكم، هكذا أراد الكون رب الكون، ولو أراده على غير ذلك لفعل سبحانه
وتعالى.