آلاف من «الورد اللى فتح فى جنانين مصر» يعانى من الذبول والموت البطىء فى السجون العسكرية، والتى وصفها من قُدِّر لهم الخروج بأنها «جحيم على الأرض» من حيث التسهيلات -إن وجدت- والتهدئة حيث يحشر أكبر عدد ممكن من المحاكمين على ذمة قضايا عسكرية فى عنابر مشتركة فى هذا الجو الذى لا يطاق، والمياه التى لا تتوافر لهم إلا فى ساعات محدودة فى اليوم، والطعام الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع، فى ظل هذه الظروف غير الآدمية هل يستطيع هؤلاء الشباب والرجال أداء فريضة الصيام فى هذا الشهر الكريم؟ وما حكم صيام المعتقل والسجين الذى هو تحت الاستجواب والتحقيق ؟ يجيب العلامة الشيخ يوسف القرضاوى -فى فتواه المنشورة على موقعه الرسمى-
على أحد السائلين عن حكم صيام الأسير أو المعتقل فيقول: «الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد: فالصوم حرمان من الشهوات،
وإمساك وامتناع عن المفطرات من الطعام والشراب ومباشرة النساء، بنية التقرب إلى الله تعالى،
ويستطيع المسلم أن ينوى الصيام على أى وضع كان، ولو كان أسيرا أو سجينا، ما دام قد تحقق ركنا الصيام،
وهما الإمساك والنية. ولكن قد يعجز المسلم السجين أو الأسير عن الصوم إذا كان لا يؤتَى له بالطعام
إلا فى أثناء النهار، ولا يُسمَح له بتأجيل تناوله إلى الليل، فهنا يكون معذورا فى الإفطار،
ولا يكلِّف الله نفسا إلا وسعها. وما جعل عليكم فى الدين من حرج».
ويروى القرضاوى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) رأى رجلا مسافرا، وهو فى حالة مشقة ومعاناة،
والناس من حوله يرشّون عليه الماء، فلما سأال عنه قالوا: هو صائم، فقال عليه الصلاة والسلام:
«ليس من البر الصيام فى السفر» أى فى مثل هذا السفر الشاق. فأنكر الرسول الكريم
على من يصوم فى هذه الحالة، وأحق منه بالإنكار من يصوم وهو سجين أو أسير لدى الأعداء،
ولا يمكَّن من الطعام والشراب فى الوقت المناسب، فيهلك من الجوع، وهذا ما يريدونه:
أن يروه يسقط أمامهم. فعلى المسلم أن يفطر لهذا العذر، كما يفطر المريض والمسافر،
وأن ينوى قضاء ما أفطره فى أيام أخرى، حينما يفك الله أسره، ويخرجه من سجنه،
أو تتحسن حالته، وتتغير معاملته «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» (البقرة: 185).
ولكن هذه الرخصة ممنوحة لمن لهم مثل هذه الظروف فقط، لا لكل المساجين، فإذا كان السجين
متوافر له الطعام والشراب وقت الإفطار ولا يوجد ما يمنعه عن أداء هذه الفريضة فهى لا تسقط عنه
وعليه أن يؤديه أينما كان مادام توافر له ركنا الصيام وهما الإمساك والنية، وتوفّر له الطعام والشراب
وقت الإفطار ولذلك تحاول بعض الجمعيات الأهلية والنشطاء أن تقدم الدعم لهؤلاء المعتقلين
عن طريق تنظيم إفطار جماعى لهم فى عدد من السجون مع ذويهم لمساعدتهم على تخطى الظروف
التى يعانون منها داخل السجون، ولهذا كان هناك ضغط إعلامى وجماهيرى من أجل الإفراج
عن كل معتقلى الثورة وضحايا المحاكمات العسكرية قبل بداية شهر رمضان
إلا أنه لم يتم إخلاء سبيل سوى المئات وما زال الآلاف منهم تحت رحمة الشرطة العسكرية.