ربما يكون الإنسان أكثر تفاؤلاً من الآخرين، ويضطر أن يتحمل بعضاً من تعليقاتهم الحادة والجارحة
والادعاء بالعمالة والسعى لتحقيق مصالح شخصية، لأنه ربما يكون قد قرأ ما لم يقرأه الآخرون ورأى ما لم يره الآخرن.
هذا حال كاتب هذه السطور أحياناً. أتذكر أن لولا داسيلفا حين صار رئيساً للبرازيل قامت المظاهرات المعارضة له
سواء من قبل بعض موظفى الدولة أو العمال فى بعض المصانع خلال أول عامين من وصوله للسلطة
بمعدلات جعلت الكثيرين ينتقصون منه ويتنبأون بفشله. وفى أحد كتب الاقتصاد السياسى للتنمية هناك كاريكاتير
يصور الرجل وكأنه عامل غير ماهر يقوم بإصلاح ماكينة ضخمة مكتوب عليها «البرازيل»،
وهناك عشرات القطع من مكونات هذه الماكينة متناثرة فى كل مكان، والناس تصرخ فيه: «اعترف أنك فاشل».
والهدف من الكاريكاتير توضيح أن تقييم من يحكم يحتاج إلى وقت حتى نقول إن كان من يحكم قادراً على
إدارة شئون الدولة أم لا. ولكن التعجل فى الحكم على الناس يقضى على احتمال نجاحهم،
وأرجو التأكيد على «احتمال النجاح» لأنه لا يوجد أى ضمان لأن ينجح حاكم فى إدارة دولة
حتى لو كان بارعاً. ولكن هناك شىء واحد أكيد وهو أنك إن لم تعط للحاكم أو الوزير أو المحافظ
الفرصة الكافية، فغالباً ما ستحكم عليه ظلماً لأن فرصته لم تكن كاملة.
أزعم أن قطار مصر يتحرك صوب الهدف، ببطء ولكن فى الاتجاه الصحيح.
التقيت عدداً من السادة الوزراء الجدد، والتقيت السيد رئيس الوزراء حديثاً. وأجد فيهم جدية واستشعاراً للتبعة
ورغبة حقيقية فى الإصلاح. وقبل أن أخوض فى هذا الأمر أكثر من ذلك، لا بد من التأكيد
أننى لست جزءاً من هذه الحكومة ولن أكون بإذن الله تعالى. ومع ذلك أنا مصرى، وأزعم أننى لا أقل
وطنية عن أى من السادة القراء، حريص على أن تحرز مصر هدفاً فى مرمى خصومها: الجهل،
الفقر، المرض، السلبية، الرغبة فى إفشال الآخرين،
حتى وإن كان مكانى هو دكة الاحتياطى أو حتى جمهور المشاهدين.
أريد لهذه الحكومة أن تنجح، وأنا لست جزءاً ولن أكون جزءاً منها. أريد لهذا الرئيس أن ينجح
وأنا لست جزءاً من فريقه وغالباً لن أكون. وهذا ما كنت سأقوله لو كان رئيس الوزراء شخصاً آخر،
أو رئيس الجمهورية شخصاً آخر. المهم: مصر تفوز. المهم: مصر تنتصر. المهم: مصر تكون فى وضع أفضل.
ومع ذلك أتفهم تماماً لماذا يحرص البعض على أن يضع «النار» تحت كرسى الحكومة،
بمعنى أن تستشعر الحكومة من أول يوم أنها تحت ضغط وأن عليها أن تستجيب لنبض الشارع
وأن عليها ألا تتهاون. وما رأيته حتى الآن من لقاءاتى بعدد من السادة الوزراء أنهم بالفعل جادون
فى ألا يكونوا مجرد «سد خانة» وإنما نقطة البداية عند من التقيت منهم هى: «كيف نسهم فى نهضة حقيقية؟»
ولا بد أن أشير إلى أن الزيارات الميدانية شبه اليومية التى يقوم بها رئيس الوزراء وعدد من الوزراء
تؤكد انتهاء عصر «الأنتخة الاستراتيجية» القائمة على فكرة أن الزيارة الوحيدة
التى تستحق عناء القيام بها هى زيارة السيد الرئيس.
هناك روح جديدة، أحب أن أنقلها لحضراتكم، وغالباً لن تلحظوا نتائجها بسرعة.
ولكن فلنساعد أنفسنا، ولنثق (ولو قليلاً) فى أن بيننا مصريين مخلصين حريصين على صالح الوطن،
وأن إصلاح أحوال مصر يقتضى بالضرورة جهداً ورؤية وعملاً جماعياً،
وكل هذا يحتاج أن نعطيهم فرصة بل وأن نساعدهم، والحقيقة أن نساعد أنفسنا.
وعسى الله أن يجعل بيننا وبين من يحكموننا مودة وثقة وتعاوناً على البر والتقوى. والله قدير.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]