[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إعادة شحن الطاقة معتز بالله عبد الفتاح
عبء الكتابة اليومية بلا توقف، كبير، لا سيما بعد عامين ونصف
العام. وكلما هممت بالاكتفاء بالعودة للكتابة الأسبوعية، وجدت من ينبهنى
لمساوئ ذلك. وأحياناً يشعر الإنسان بعدم جدوى الكلام والكتابة. وقد اعتدت
إن استشعرت كللاً ومللاً أن أتوقف عن الكتابة وأن أقرأ بعضاً من مذكراتى
ومقالاتى القديمة التى تحمل وقعاً إيجابياً فى نفسى. وبما أن الحال كذلك،
فقد قررت أن آخذ معكم فاصلاً زمنياً لمدة دقائق عسانا نشحن طاقاتنا.
فكثيراً ما أستحضر فى ذهنى عدة مشاهد حُفرت فى ذاكرتى بحكم دلالاتها
المباشرة آنذاك، وبحكم الطاقة الإيجابية التى تولدها فى نفسى كلما ذكرتها.
وقديماً قالوا العقل البشرى مثل «الإسفنجة» تمتص ما يحيط بها؛ إن أحطتها
بالسلبيات لن ترى فى الوجود شيئاً جميلاً والعكس صحيح.
المشهد الأول، هو مشهد الشاب المصرى الجدع الذى وقف فى شموخ أمام
المصفحة التى كانت تضخ المياه لتفريق المتظاهرين. ولنتذكر أن هذا المشهد
كان من أوائل مشاهد الثورة التى ألهمت كثيرين. مشهد كلما تذكرته، شعرت
بضآلتى أمام استعداد هذا الإنسان النبيل لتحدى الظلم بعد أن استبان له طريق
العدل، ولمواجهة الطغيان، بعد أن استبان له طريق الحرية. وبالمناسبة تعرفت
عليه لاحقاً وأكبرت فيه رغبته أن يظل بعيداً عن أضواء الإعلام.
المشهد الثانى، هو أحد ضباطنا الأفاضل وهو يبكى وأحد الشباب يمسح
عنه دمعته. ولا أدرى أى دمعة تلك: هل هى دمعة الخوف من خطأ قد يفضى إلى
مواجهة مبكرة بين الشعب وجيشه تحيل الثورة إلى حرب أهلية؟ أم هى دمعة
الفرحة بأن المصرى حى، متى توافرت له أسباب الحياة، قادر مبدع متمكن مبصر
راغب فى حياة غنية بمادة الحياة: الأمل والعمل، لو توفرت له أسبابهما.
المشهد الثالث، كان مشهد جموع الشباب المسيحيين، وهم يقفون متراصين
يحمون بأجسادهم إخوانهم المسلمين الذين تطير صلواتهم فوق رؤوسهم دعاء ونداء
للخالق عز وجل أن يجعل غد مصر أفضل من أمسها. مشهد رائع يقول إن نبتة
الحضارة فى داخل الإنسان المصرى قوية وعفية وراغبة فى النمو والازدهار
كطاقة خير ومحبة وسلام حتى وإن اختلفت الأديان. مشهد غيابه عن الضمير
المصرى جريمة، ووجوده مؤشر أن مقومات العيش المشترك قائمة.
المشهد الرابع، مشهد اللواء محسن الفنجرى، وهو يؤدى التحية العسكرية
لشهدائنا أثناء إلقائه بيان المجلس العسكرى. لقد كان استشهاد هذه الوجوه
الناضرة، التى ستكون بإذن الله يوم الحساب لربها ناظرة، الثمن كى تعود لنا
كرامتنا بعد غياب.
المشهد الخامس، كان رسالة إلكترونية من صديقى الشاب أحمد زيدة،
يسألنى رأيى فى أن يقوم هو ومجموعة من الشباب باقتحام مبنى مجلس الشعب،
وكان تقديره هو وزملاؤه أن عدد القتلى والجرحى سيكون فى حدود الخمسين. هو
يستشير حتى يتأكد من صحة هذه الخطوة سياسياً، ولكنهم كانوا قد عزموا على
الاستشهاد فى حب الوطن.
أيمكن أن يكون آخر سعى كل هؤلاء ضلالاً، وأن تنتهى كل هذه الملحمة بكابوس؟
لا آمن مكر الله، ولا أعترض على تدبيره مهما كان، ولكن كما كانت
الثورة حلماً، فإن ما بعد الثورة لا ينبغى أن يكون كابوساً إلا إذا نسينا
تماماً روح ثورتنا. وهو ما لا ينبغى أن يكون.
أستشعر أن ما يحدث فى مصر تطبيق مباشر لمقولة: «سبحانه يعطى من يشاء
بفضله ويمنع من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن علة فعله، ولا يعترض عليه
ذو عقل بعقله». نسأل الله فى هذه الأيام المباركة أن يدبر لنا، فإنا لا
نحسن التدبير، وأن يرينا الحق حقاً وأن يرزقنا اتباعه. آمين.