«التوك شوز» فى عهد الخلفاء الراشدينعبد الهادى مصباح
ماذا كان يمكن أن يقول الخبراء الاستراتيجيون والمحللون العسكريون والفقهاء الدستوريون والدعاة الدينيون..
عندما تتسابق أجهزة الإعلام المختلفة على ضيافتهم مع «مسيلمة وسجاح»؟!
ماذا لو كان مثل هذا السيرك الإعلامى وبعض برامج «التوك شوز» التى تتبارى من أجل السبق الإعلامى والإثارة
-فى وجود مواقع التواصل الاجتماعى مثل تويتر وفيس بوك- موجودة فى عهد الخلفاء الراشدين الأربعة
وخامسهم الخليفة عمر بن عبدالعزيز؟! ولن أقول فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فربما استحيوا منه
وتغاضوا عن الخوض فى حديث الإفك قبل أن تنزل الآيات التى تبرئ أم المؤمنين عائشة من فوق 7 سموات،
ترى هل كان من الممكن أن تستقر الدولة الإسلامية بعد أن تخرج علينا الأخبار فى عهد خلافة أبى بكر
وما حدث فيها من ردة، وادعاء مسيلمة الكذاب للنبوة وأن الوحى يهبط عليه من السماء،
ثم زواجه من مدعية أخرى للنبوة تدعى سجاح بنت الحارث، التى طلبت منه مهراً
فكان صداقها إلغاء صلاتى العشاء والفجر، ثم انتهى الأمر بقتله فى معركة شرسة فى موقعة اليمامة؟
ترى ماذا كان يمكن أن يقول الخبراء الاستراتيجيون والمحللون العسكريون والفقهاء الدستوريون
والدعاة الدينيون عندما تتسابق أجهزة الإعلام المختلفة على ضيافتهم مع «مسيلمة وسجاح»
من منطلق حرية الرأى والتعبير التى تتوارى الفتنة خلفها فى مثل هذه الأوقات الحرجة؟
وفى عهد الفاروق عمر: ماذا لو تناول ذلك الإعلام وتلك البرامج قضية جلد المواطن المصرى المسيحى
الذى ضربه ابن عمرو بن العاص والى مصر بالسوط آنذاك لأنه سبقه بعد أن تسابقا
وقال له: أتسبقنى وأنا ابن الأكرمين؟ قبل أن يصل الموضوع إلى الخليفة عمر ويعيد الحق لأصحابه
ويقتص منه ويقول للمسيحى: اضرب ابن الأكرمين؟ ألم يكن من الممكن أن تحدث فتنة طائفية
وقتل وقتال نتيجة لهذا الخطأ؟ ماذا أيضاً لو تناولوا قضية عزل عمر لقائد جيوشه المنتصر خالد بن الوليد
وهو فى أوج انتصاراته ومجده، وتعيين أبى عبيدة بن الجراح قائداً للجيوش ليصبح خالد جندياً تحت إمرته؟
وفى عهد ذى النورين عثمان وبعد مقتل عمر واستشهاده كانت الفتنة الكبرى، وكان عثمان رضى الله عنه
متسامحاً حريصاً على عدم الصدام مع من يخالفونه، مما أطمع أهل الفتنة فى سماحته، فادعوا تصرفات باطلة
على أمير المؤمنين عثمان، وأخذوا يطعنون فى وُلاته، وهو صابر عليهم، ومثلما يحدث ونراه فى هذه الأيام
كان هناك من يحرِّك نار الفتنة بمهارة وتؤدة ومثابرة من كثير من المنافقين،
وانتهت خلافة عثمان بقتله واستشهاده بعد أن منعوا عنه الماء والغذاء دون رحمة.
وجاء على رضى الله عنه وكان كارهاً للخلافة، غير راغب فيها، ولكنه تولاها حرصاً على وَحْدة الأمة،
وحفظاً لكيانها الذى يتعرض لعاصفة عاتية توشك أن تقتلع جذوره، وتعيد أمة الإسلام إلى زمن الجاهلية مرةً أخرى،
ترى ماذا كان مقدمو برامج الإثارة فى بعض برامج «التوك شو» سيقولون أمام حدث جلل وفتنة كهذه،
وعن موقعة مثل موقعة الجمل التى كان طرفاها الإمام على كرم الله وجهه فى جانب،
وأم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير بن العوام رضى الله عنهم فى الجانب الآخر؟
وأخيراً.. أرجو ألا يفهم من كلامى أننى ضد الإعلام الحر أو حرية التعبير والرأى، ولكن إثارة الفتن دون تثبت سعياً وراء السبق الإعلامى والصحفى، خاصة مع وجود تلك الثورة التكنولوجية فى المعلومات والاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعى مثل «الفيس بوك وتويتر» التى تنقل الإشاعة فى ثوانٍ إلى ملايين البشر، يمكن أن تشعل ناراً للفتنة لا يخمدها التكذيب بعد ذلك. وأعتقد أن وجود ميثاق للشرف الإعلامى يوضع أساسه فى الدستور الذى يوضع حالياً، ويبلوره الصحفيون والإعلاميون المحترمون وهم كثر، ويحتوى على أخلاقيات ممارسة العمل الإعلامى وحرية الرأى والتعبير المنضبط بكافة أشكاله، يمكن أن يضع حداً لمثل هذه الممارسات التى تبدد جهدنا وطاقتنا، وتزرع بذور الفتنة بين كافة أطياف الوطن الواحد الذى نريد أن ننهض به ونبنيه. وكل عام أنتم بخير. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]