تجربة الدكتور مرسى

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


July 11th, 2012

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
د.عماد جاد




فى اللحظة التى تراجع فيها الانقسام فى الشارع المصرى، وبدأت الأعداد تتراجع فى ميدان التحرير وغيره من الميادين،

واستعد الجميع لبدء مرحلة جديدة من حكم القانون ودولة المؤسسات فى مصر بعد تاريخ حافل بحكم الفرد المستبد،

فاجأنا الرئيس الدكتور محمد مرسى بقرار جمهورى يلغى فيه القرار رقم 350 الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة

بحل مجلس الشعب، ويدعو مجلس الشعب إلى الانعقاد، وهو قرار أثار بلبلة شديدة فى الشارع المصرى،

طرح تساؤلات عديدة لم تُقدم لها إجابات شافية، ومما زاد من الحيرة والبلبلة

أن قرار الدكتور مرسى جاء تاليا لاجتماع مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين،

وكان معلوما أن الاجتماع مخصص لبحث قضية تشكيل الحكومة الجديدة،

وطرح مسألة ترشيح المهندس خيرت الشاطر لرئاسة الحكومة الجديدة، وتحديد نسبة أو حصة الإخوان فى الحكومة.

أثار قرار الدكتور مرسى عديدا من الأسئلة، من بين أبرزها

إذا كان من حق رئيس الجمهورية أن يلغى قرارا سابقا للمجلس العسكرى، باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية،

فهل من حقه أن يصدر قرارا ينتهك حكما صريحا وواضحا للمحكمة الدستورية العليا؟

هل من حق رئيس الجمهورية دعوة مجلس شعب أبطله حكم بات للمحكمة الدستورية العليا إلى الاجتماع من جديد؟

هل أصدر الدكتور مرسى هذا القرار بعد التفاهم مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أم لا،

فالقرار يعنى بداية سلب سلطة التشريع من المجلس الأعلى التى حصل عليها بموجب الإعلان الدستورى وإعادتها إلى مجلس الشعب؟

فهل تفاوض مع المجلس العسكرى على ذلك أم باغته بالقرار، وإذا كان القرار مباغتا، فهل سيقبل به المجلس العسكرى أم لا؟

وإذا لم يقبل به، هل سيسلك الطرق القانونية من أجل مواجهة قرار الرئيس أم يتحرك على الأرض؟

كلها أسئلة حيَّرت عقول المصريين وقلوبهم فى الساعات التالية مباشرة لصدور القرار،

ومما زاد من حيرة المصريين وبلبلتهم انقسام فقهاء القانون الدستورى بشدة حول القرار،

فهناك من أكد دستورية القرار وحق الرئيس، وهناك من اعتبر القرار بمثابة «حنث باليمين» يساوى جريمة الخيانة العظمى

التى تستوجب عزله من منصبه وتقديمه إلى المحاكمة. انقسم الفقهاء بشدة مثلهم مثل المحللين السياسيين،

وإذا كان مقبولا ومعتادا انقسام المحللين السياسيين لاعتبارات تتعلق بالانتماء الفكرى والسياسى،

وربما للخلفية وأيضا الرؤية، على اعتبار أن التحليل هو نوع من الاجتهاد،

فإنه من غير المعتاد تضارب تقديرات فقهاء القانون الدستورى إلى حد التناقض.

ومما زاد من حيرة المصريين أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقد اجتماعا مغلقا لمدة ست ساعات متواصلة دون صدور بيان محدد،

كما أن البيان التالى جاء عاما، مؤكدا الاحتكام إلى القانون والدستور. زادت حيرة المصريين عندما تزامن قرار الدكتور مرسى

مع زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، وذراعها اليمنى، ويليام بيرنز، للقاهرة مع صدور قرار الدكتور مرسى،

فقد سرت تكهنات بأن هناك نوعا من الدعم الأمريكى لقرار مرسى،

بل إن القرار صدر بعد ساعات قليلة على لقاء مرسى بالمبعوث الأمريكى. ترتب على كل ذلك عودة الانقسام سريعا

إلى الشارع المصرى وبين القوى السياسية، فأنصار جماعة الإخوان تدفقوا مجددا إلى ميدان التحرير لدعم الرئيس فى موقفه،

وعادت الدعوات لتجمع المعارضين للقرار فى مدينة نصر، أمام المنصة، فى مشهد تكرر كثيرا فى الأسابيع الأخيرة

، وكأن البلاد قد انشطرت إلى قسمين، إسلام سياسى جعل من ميدان التحرير مكانا مؤمنا له، وآخر يمثل المعارضة

وهو خليط من القوى المدنية من ليبرالية ويسارية، وبقايا نظام قديم،

رأوا فى مدينة نصر وتحديدا المنصة مكانا للتعبير عن الرأى.


أعاد قرار الدكتور مرسى عودة مجلس الشعب إلى الانعقاد حالة الانقسام إلى الشارع المصرى، وبين القوى السياسية،

فى وقت تتصاعد فيه المطالب الفئوية، وتمر الأيام سريعا، والرئيس لم يتخذ خطوة واحدة لتنفيذ برنامج المئة يوم،

والناس تئن بالشكوى، وتنتظر عمل «ديوان المظالم»،

وبدلا من أن تحمل لهم الأنباء خبرا عن علاج حقيقى لمشكلاتهم المتراكمة،

حملت لهم قرارات مثيرة للانقسام والجدل، تهدد بالإطاحة بدولة القانون والمؤسسات،

فهل تترك الجماعة ومكتب الإرشاد للدكتور مرسى فرصة لتوحيد الصفوف،

وتنفيذ ما وعد به من برامج، أم تكون السبب المباشر فى الإطاحة بهذه التجربة الوليدة؟