[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الدستور وتعلم الديمقراطية عبد الفتاح ماضى
من معاركنا الأساسية بعد الثورة معركة الكفاح ضد الجهل وضد
عمليات تسطيح العقول التى مارسها النظام السابق لعقود، فالاستبداد، كما كتب
الكواكبى، قرين الجهل والتجهيل، ولا يمكن للمستبد الحكم إلا فى مجتمع
يسوده الجهل ولا يهتم فيه بالعلم والتربية.
ولهذا يخضع الإنسان فى الدول الحديثة منذ مرحلة ما قبل التعليم
الابتدائى وحتى انتهاء دراسته الجامعية، إلى عمليات تربية وتنشئة اجتماعية
وسياسية، تختلف مضامينها وأدواتها مع كل مرحلة عمرية، فيما يعرف هناك
بالتعليم المدنى والتعليم على المواطنة وعلى حقوق الإنسان. كما يختار
الكثير من الطلاب فى معظم التخصصات بالمرحلة الجامعية بالولايات المتحدة
مثلا مقررى «السياسة الأمريكية» و«حقوق الإنسان» كمقررين اختياريين لمعرفة
ما يدور حولهم فى البيئة السياسية ولمعرفة حقوقهم وواجباتهم.
أما فى الدول حديثة العهد بالديمقراطية فتحتاج الشعوب دوما إلى تعلم
أسس السياسة وأهمية المشاركة فى العمل العام واكتساب آداب الاختلاف
ومهارات ممارسة السياسة. هذه الأمور مكتسبة فالإنسان لا يولد ومعه الوعى
ولا المسئولية ولا مهارات المشاركة. ولهذا شُكلت هيئات وطنية للتعليم
المدنى والتثقيف السياسى مهمتها الأساسية خلق المواطن الواعى بقضايا وطنه
والقادر على تحمل المسئولية والراغب فى المشاركة فى العمل العام.
وفى مصر الثورة، هناك حاجة ملحة لبرامج توعية وتثقيف سياسية مكثفة
لتوعية الشباب وغير الشباب، باستحقاقات المرحلة خاصة فيما يتصل بأهمية بذل
كل الجهود لإقامة دولة المؤسسات والقانون والنظام الديمقراطى وأهمية
المشاركة والتمسك بالحقوق. يحتاج المواطنون إلى معرفة معانى الديمقراطية
والمواطنة والحرية، وإلى إدراك أن هناك ضمانات كفيلة بعدم تسلط النخب
والقيادات داخل الأحزاب والمؤسسات الجديدة، وضمانات لتفعيل أدوات الرقابة
السياسية والقضائية والمالية، وضمانات وآليات للحد من الاستقطاب الدينى
والسياسى.
وأعتقد، ونحن نكتب دستور الثورة فى مصر، أن هناك حاجة ماسة لإنشاء
هيئة وطنية للتعليم المدنى تكون ضمن المؤسسات الكفيلة بحماية دولة المؤسسات
الديمقراطية، على أن تكون مستقلة تماما عن الأحزاب القائمة وتعتمد على
ميزانية تخصص لها من ميزانية الدولة ويراقب البرلمان أعمالها.
مهمة هذه الهيئة تقديم برامج تربية سياسية مكثفة تستهدف إعادة الثقة
بين المواطنين والسياسة بشكل عام، وإعادة الثقة بين المواطنين وأجهزة
الدولة وعلى الأخص جهاز الشرطة، وترسيخ المعانى الإيجابية لمفهوم السياسة،
التى تتضمن فى اللغة والثقافة العربية، معانى الإصلاح والرعاية كبديل
للمعانى المستمدة من المفهوم الغربى للكلمة التى تحمل الكثير من المعانى
السلبية. بجانب ترسيخ قيم وأبجديات الثقافة العربية وضرورة التمسك بقيمنا
ومبادئنا العليا فى عالم يتعرض فيه الضعفاء إلى عمليات غزو ثقافى تستهدف
محو الثقافات المحلية وترسيخ التبعية للأقوياء. بجانب تأهيل المواطنين
سياسيا ومساعدتهم فى استيعاب ما تمر به مصر، وإكسابهم المعارف والمهارات
الضرورية لتمكينهم من المشاركة الفعالة فى النظام الديمقراطى وبناء نهضة
شاملة طال انتظارها. وهذه البرامج لا بد أن تهتم بإزالة كل الآثار السلبية
التى خلفتها عمليات التضليل التى مارسها النظام السابق. بالإضافة إلى قيام
الهيئة بالإشراف على تصميم مقررات دراسية لمختلف مراحل التعليم فى مجالات
التربية المدنية وحقوق الإنسان وواجباته.
ويجب هنا استخدام كل طرق التعليم كالمحاضرات والندوات وورش العمل
والدورات التدريبية والزيارات الميدانية، كما يمكن استخدام كل الوسائل
لإتاحة المواد التعليمية لأكبر عدد من المواطنين، كالكتب والصحف والأدلة
والمواد الإلكترونية والفضائيات وغيرها، وهناك هيئات دولية كثيرة يمكن
التعاون معها فى هذا المجال.
وأقترح أيضا أن تقدم كل الكليات والمعاهد مقررات اختيارية فى «مبادئ
العلوم السياسية» أو «السياسة فى مصر»، بجانب ضرورة تطوير مقررات «حقوق
الإنسان» المعمول بها الآن. وللحديث بقية.