تواريخ وخواتيم مرعبة

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

تواريخ وخواتيم مرعبة


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

سعيد الكفراوى

أمضيت أغلب العمر تفزعنى أواخر مصائر الناس وخواتيم أعمارهم،
متأملا بحزن مقيم، وبشغف معرفى.. يحزن الروح ما كان وما انتهت إليه
الأمور!! كثيرا ما فكرت أن خاتمة الإنسان تلخص صيرورته!!

بالذات هؤلاء الذين تتبعت أقدارهم.. هؤلاء الذين كان لهم شأن!!

رحم الله أستاذى ومعلمى دكتور «حسين فوزى» صاحب السندباد، عندما
تحسس بوعيه أحداث ذلك الزمان، وذكر عن خاتمة السلطانة العظيمة «شجرة الدر»
سلطانة مصر أواخر الدولة الأيوبية، وأوائل الدولة المملوكية البحرية، حيث
قال عنها «ذات عقل وحزم ومعرفة بأحوال البلاد.. تدبر الحكم بجانب أستاذها
وزوجها «نجم الدين أيوب» حين هزموا جيوش فرسان الصليب فى موقعة المنصورة
بسبب من حسن تدبيرها، ورجاحة عقلها وتم أسر مليكهم الصليبى لويس التاسع
وسجنه فى دار ابن لقمان».

تختلط علىَّ الأمور، وأضيق بما أنا فيه.. أخترق القاهرة بزحمتها
نافذا من المشرق إلى المغرب.. هناك حيث قرافة «مقابر» المماليك الجاثمة تحت
سفح المقطم.. نسمة هواء طرية قبل المغارب فى هجير صيف مدينة تتجسد روحها
مع الليل، فيكون النيل.. والحدائق الساكنة تحت الضوء.. والبشر القليلون..
وذلك الغناء الذى ينشده المراكبى على صفحة النهر عن البلاد البعيدة، وأهله
الغرباء.

قلعة صلاح الدين خلفى.. وسور «مجرى العيون» على يسارى وأنا أتجاوز
الأزقة والحارات فى دار البقاء المسكونة بالأحياء وعيالهم.. أتوجه ناحية
شيختنا وست المقام السيدة «نفيسة» رضوان الله عليها حيث يقع بالقرب منه
مدفن «سلطانة المسلمين.. عصمة الدنيا والدين.. ذات الحجاب الجميل.. والستر
الجليل السلطانة شجرة الدر».

أقف أمام المقبرة.. تضربنى التواريخ، ومرور السنين والحساب..
والذاكرة مصفاة للحوادث وجريان الأيام.. المدفن تحفة معمارية رسم على
حيطانها بالموازييك شجر الحياة، والضريح آية من آيات ذلك الزمان.. لا أعرف
من أقامه حيث دفنت حين مقتلها فى مقابر الصدقة.. ترقد السلطانة تحمل
مأساتها على جبينها مسطرة بقدرها ومصيرها، ويشيع فى المكان ذكرى الألم
والنكران.. أتذكر ما كان من خبرها.. هى زوجة «نجم الدين أيوب» آخر ملوك
الدولة الأيوبية العظام.. كانت جارية من جوارى الملك الصالح أعتقها
وتزوجها.. اختلف المؤرخون فى تحديد جنسها.. قالوا إنها تركية، ومن قال إنها
جركسية، ورومانية تميزت بالذكاء.. حين غزت حملة «لويس» التاسع مصر عام
1249 ميلادية كان الملك الصالح مريضا.. وحين مات أخفت خبر موته وتولت هى
أمر الجيش للأسباب التالية:

• الخوف من حدوث البلبلة فى الدولة واختلاف صفوف الجيش.

• حيث لا ينصرف اهتمام المماليك وأمرائهم إلى تولى العرش.

• هدفها هزيمة الصليبيين وقدتم ذلك وتوج بأسر مليكهم.

استدعت ابن الملك الراحل «توران شاه» من قلعة «كيفا» من «ديار بكر»
وولته العرش.. بعد فترة خالف وعوده، وجامل مماليكه، وأهانها مطالبا بأموال
أبيه.. أرسلت إلى المماليك قائلة «اقتلوا توران شاه» فتم لها المراد ووليت
على حكم مصر، وأخذت تفرق الوظائف السنية، والإقطاعات.

لم يحدث أن حكم المسلمين امرأة إلا شجرة الدر.. اشتد العجب بأمير
المؤمنين المستنصر العباسى فى بغداد فأرسل رسالة لاذعة لحكام مصر «إن كان
الرجال قد عدموا عندكم فأعلمونا حتى نسير إليكم رجالا».

نصحوها بالزواج فاختارت «عزالدين أيبك» الذى بعد حين استبعدها هى
الطموح صاحبة المواقف التى لا تنسى.. علمت بأنه سوف يتزوج من بنت حاكم
الموصل، وأنه يتهيأ لطردها من القلعة.. جُنت وفقدت رشدها هى المرأة الحاكمة
بأمرها حايلته واستدعته وأمرت غلمانها فقتلوه شر قتلة.

كانت غلطة الشاطر.. أراها فى آخر أيامها حيث تتجسد الخواتيم
والمصائر فى أفعال، وقد جنت وذهب عقلها، لا أعرف من أعطاها جواهرها التى
أخذت تطحنها فى «هون» من الذهب وتطلق ضحكات المجانين.. قبض عليها ابن أيبك
وسجنها فى الترسيم «السجن» وأمر الخدم بقتلها ضربا بالقباقيب حتى صعدت
روحها إلى حيث وجه الله.. ثم حملت فى «قفة» وهى عارية إلا من لباسها وألقيت
على سور القلعة تلغ فيها الكلاب ثلاثة أيام، وحين حضر أحد الحرافيش من أهل
مصر فتش فى «تكة» لباسها فوجد لؤلؤة و«نافجة» من المسك باقية من عز قديم
ثم حُملت ووُريت مقابر الصدقة.. هى ذات الستر الجميل.. الست أم خليل..
هازمة الصليبيين وحاكمة المسلمين فسبحان من يدوم سلطانّه إلى آخر الدهر.