[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] اختيار الرئيس.. رؤية سيكولوجية [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أكرم زيدان
الثلاثاء 15-05-2012
دائما ما يخشى المحللون معالجة موضوعات ثلاثة، هى: العاطفة
والعبقرية والرئاسة.. فالعاطفة مليئة بالتناقض وعدم الثبات فى السلوك
والانفعال، والعبقرية استثناء، فكيف نجعل من الاستثناء قاعدة؟ وكيف نصل
لعنصر التكرار فيها حتى نتمكن من تحليلها؟
أما الرئاسة فهى تجمع بين كل هذه المتناقضات؛ فهى استثناء ملىء
بالغموض والتركيب وعدم القدرة على التوقع، وفوق كل ذلك فهى ظاهرة اجتماعية
وفردية ونفسية أيضا. فالرئاسة ظاهرة اجتماعية لأن رئيس الدولة يعبر عن أحد
مواقع السلم الاجتماعى، وهى ظاهرة فردية لأن رئيس الدولة هو فى نهاية الأمر
لا يعدو أن يكون شخصا يحمل قدرات وخبرات ذاتية موروثة أو مكتسبة، بل إنه،
فى بعض الأحيان، يقوم بعمليات مسرحية مدروسة لخلق انطباع عام لدى الجماهير
أنه زعيم ورئيس.
والرئاسة ظاهرة نفسية؛ لأنها علاقة بين فرد يحكم وشعب رضى وقبل أن
ينطوى تحت قيادة هذا الحاكم الذى يملك القدرة على إقناع الآخرين بأنه
الرئيس، فإذا فقد هذه القدرة أضحى بلا حماية ولا وسيلة للدفاع عن نفسه.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: لماذا تفضل جماعة معينة شخصا على آخر
فى رئاسة الدولة؟ ولماذا يختار الشعب شخصا معينا يضع فيه الثقة وينساق خلفه
ويفتديه بالروح والدم حتى فى لحظات الخطأ وسوء التقدير؟ وللإجابة عن هذا
السؤال نجد أن أمامنا سبع وجهات نظر وسبعة نماذج من الرؤساء يختار كل منا
ما يروق له من هذه النماذج وفق رؤيته وطبائع شخصيته.
وأول هذه النماذج: الرئيس القائد؛ فهو شخص لديه القدرة على الإقناع
والتلاعب بالجماهير والتحايل على الموقف، وهو قوى وصلب، لا يهاب المغامرة
وعلى استعداد للدخول فى أى معركة، يحب السلطة ويقف دائما إلى جوار الوضع
القائم، يهاب ويخشى الإصلاح.
أما النموذج الثانى فهو نموذج الرئيس الديمقراطى، وهو معتدل ومستعد
دائما للتأقلم مع الموقف والتعديل فى حركته تبعا للظروف، وهو متواضع
ويتظاهر بالتواضع، وعلى استعداد للتفاهم، عراكه توفيق وخصامه لا يدوم، ماهر
فى استخدام طرق
الصراع الديمقراطى، يؤمن بالنظام والقانون، وعلى استعداد لأن ينساق وراء الجماهير، وهو متسامح فى الخلافات.
ويشير النموذج الثالث إلى الرئيس البيروقراطى؛ فهو موظف أضحى قائدا
سياسيا، وهو لذلك مملوء بالعقد، منهاجى، حذر، منظم، لكنه غير سعيد فى
اللحظة التى ينبغى أن يتخذ فيها القرار، وهو على استعداد لأن يراقب الآخرين
ويفتش خلفهم، وسعادته الحقيقية فى أن يظل يتحرك فى نطاق محدد لا يعرف سوى
التقليد والمحاكاة، ليس لديه القدرة على التخيل والمبادرة، عالمه ضيق، وهو
فى أغلب الأحيان خائف وتنقصه الشجاعة ويفسر جبنه بأنه ولاء، وضيق أفقه بأنه
انتماء.
أما النموذج الرابع فهو نموذج الرئيس الدبلوماسى الذى يمتاز
بالمرونة؛ فهو على استعداد للتخلى عن الإخلاص فى سبيل تحقيق أهدافه، سعادته
فى أن يتلاعب بالأفراد والمواقف، مظهره لا يعكس باطنه، وكلماته لا تعبر عن
أفكاره، يستخدم الألفاظ بحذر، إذا قال نعم فهو يعنى ربما، وإن قال ربما
فإنه يعنى لا، وإن قال لا فإنه قد أعلن عن إخفاقه كدبلوماسى. ويشير النموذج
الخامس إلى الرئيس
المصلح، وهو رجل يمثل الكمال ويحلم بعالم جديد ويرفض جميع الصعوبات
العملية التى تفرضها الحركة الواقعية، ولكن هذا لا يعنى أنه خيالى؛ فهو على
استعداد لأن يسير فى طريقه بثبات حتى لو حطم نفسه، فهو يذكرنا بشهداء
العصور الوسطى، فهو فى إيمانه بالإصلاح يعكس صلة عاطفية، غير قابل للإفساد
ولا يقبل الحلول الوسطى أو التوفيق فى حركته أو مبادئه، يؤمن بالمنطق
والسلوك المنظم الذى يخترق الحواجز ولو على حساب نفسه.
أما النموذج السادس فهو الرئيس المثير للفتن والقلاقل؛ فهو على
استعداد للجوء للعنف لأنه يرى أن القوة هى الأسلوب الأفضل فى تحقيق العالم
الجديد، إيمانه مطلق؛ فهو عقائدى لا يعرف فى العالم سوى الصديق أو العدو،
متعصب لأبعد الحدود، يميل إلى تضخيم الفروق والخلافات النظامية والعقائدية،
العالم لديه إما أبيض وإما أسود، على استعداد دائم للقتال ولا يقبل الحلول
الوسطى، يرفض التسامح.
أما النموذج الأخير فهو الرئيس العقائدى الذى يقدم لنا صورة منطقية
للعالم يغلب عليها أن تكون مثالية أو على الأقل متشائمة، يعيش فى عالم مقفل
من الألفاظ والمفاهيم، يسيطر عليه وصف ما يتصوره دون أن يلقى باله بتحقيق
ما يحلم به، وهو فيلسوف أكثر منه رجل حركة وفعل.
تلك هى النماذج الرئاسية. ترى أى النماذج سوف يختارها الشعب المصرى،
أم أن المصريين سوف يجمعون بين أكثر من نموذج من بين هذه النماذج فيخرج
علينا رئيس دولة ضعيف ليحقق القاعدة التى تقول: «إن الدول الكبيرة يحكمها
رجال ضعفاء والدول الصغيرة يحكمها رجال أقوياء»؟ وإن كان لا بد أن نختار
الرئيس القادم لمصر بعيدا عن هذه النماذج يجب أن نضع نصب أعيننا صفات
أساسية يتحلى بها الرئيس الجديد، وهى: أن يكون له القدرة على اختراع الخطط،
أن يحدد أهداف شعبه وطموحاتهم، له القدرة على الضبط الداخلى والخارجى
للدولة، أن يكون نموذجا للمثالية الاجتماعية، أن يكون أداة لإحلال المسؤلية
الفردية، وفوق كل ذالك أن يكون رمزا لدولة كبيرة بحجم مصر.