نقد ذاتى جديــــــد علينا!

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


May 11th, 2012

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أحمد عبد التواب



ينبغى الالتفات باهتمام إلى هذا الموقف المحترم النادر على الحياة العامة المصرية،

لأننا لا نذكر متى كانت آخر مرة اعترف فيها من يعمل بالعمل العام بأخطائه على جمهوره مثلما فعل وسام عبد الوارث

بعد أن استقال من رئاسة قناة الحكمة قبل أيام، وقدَّم نقدا ذاتيا جديرا بالتقدير وهو يعتذر للشعب المصرى

عن مطالبته لهم بالتصويت ب”نعم” فى استفتاء 19 مارس الشهير، وقال بصراحة ودون التواء:

المفروض كنت أقول اختاروا ”لا”، وأضاف إن تيار الإسلام السياسى الذى ينتمى له شخصيا فقد الكثير من شعبيته

بعد ما قبل أن يرتمى فى أحضان السلطة وأن لا يناقش إدارة البلاد فى القرارات الصادرة عنها!



وقال إن تصرفات هذا التيار باتت غير مدروسة، كما أنها تفتعل المشاكل!

وأضاف بالقول الصريح: أنا أعتذر عن الطريق الذى سلكته ووجهت الناس إليه”.



والمؤكد أن هذا الموقف المحترم الذى يعلنه وسام عبد الوارث الآن هو نتاج أزمة ضمير عميقة وحادة عصفت به

وكابد فيها معاناة من قرَّر أن ينحاز إلى الحقيقة التى تبدَّت له، برغم يقينه أن زملاءه وأصدقاءه

وأبناء فصيله وحلفاءهم لن يرحبوا بذلك، بل ربما يلفظونه وينفرون منه وقد يعايرونه ويعاقبونه!


وقيل قديما إنه من العسير أن تنحاز للحقيقة وأن تنتمى إليها وتُرضى ضميرك، وأن تحظى فى ذات الوقت برضا بنى عشيرتك!


وكما ترى، فهذه تجربة وجودية عاصفة لن يسلم صاحبها من خسائر، إما من نفسه أو من صحبته وأهله الأقربين!


ومما يُعطى لهذا التصرف معنى خاصا ويجعله جديرا بتقدير خاص أن الكثيرين ممن يعملون فى العمل العام لدينا

لا يزالون سادرين فى غيهم ولا يبدو على أحدهم أمارة واحدة على تأنيب الضمير أو الأسف عما يفعلون!

بل هناك من ينتقل برشاقة الأكروبات إلى الناحية الأخرى بين ليلة وضحاها ويوهم الناس بجرأة يُحسد عليها

بأنه فى كل الأحوال متسق مع مبادئه وقيمه! بل وقد يزيد بأنه يضحى فى سبيل ذلك بالغالى والنفيس!!



انظر إلى الإخوان المسلمين وحزبهم وحلفائهم من التيارات الإسلامية الأخرى، وستجد العديد من الحالات الصارخة،

وتمعن فقط فى أخطر وأبرز معاركهم الطاحنة التى يخوضون غمارها الآن، فلن تجد فيها عوامل موروثة من عهد مبارك إلا القليل،

وغالبا ليس فيها مكائد من أفكار وسياسات ومؤامرات خصومهم على الساحة، وإنما ستكتشف ببساطة

أن معظم معاركهم الحالية هى ضد اجتهاداتهم الشخصية!

ولكن لا أحد يتحلى بشجاعة وسام عبد الوارث الأدبية ليعلن خطأ اختياراته السابقة التى أدت إلى ذلك!



مثلا، معركتهم الكبرى الآن ضد المادة 28 من الإعلان الدستورى التى تُحصِّن لجنة الانتخابات الرئاسية

من الطعن ضد قراراتها، لن تجد اعترافا صريحا عن مسؤوليتهم فى تمرير هذه المادة عندما كان لهم كلمة نافذة

فى لجنة التعديلات الدستورية التى أجازتها، وكان بإمكانهم أن يعدلوا فى اللجنة ما يطرحونه الآن،

وكان الظرف مواتيا وشعارات الثورة حامية لهم، ثم زاد خطأهم أضعافا عندما دفعوا الجماهير

إلى تأييدها فى استفتاء 19 مارس، ولجأوا إلى أساليب الشعوذة والتدليس السياسى تحت عباءة الدين

بترهيب البسطاء بأن من يقول ”لا” فى الاستفتاء سيكون مآله النار فى الآخرة!!



وحتى فى عزّ هجومهم الضارى ضد الجنزورى والمطالبة برحيله، لا تجد اعترافا ولو ضمنيا بأنه تولى منصبه

بفضلهم هم عندما كانت ميادين مصر تدوى بالهتاف ضده وتعتبره من فلول مبارك،

ولكنهم كانوا له الظهير الحامى واليد الحانية والمجادلة التى لا تعدم حجة!



ولكن مَن يعترف بالخطأ؟!!


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقد صدق وسام عبد الوارث فى نقده للإخوان وحزبهم عندما قال إنهم يستأثرون بالقرار

وإنهم لا يضعون أنفسهم فى جماعة المسلمين الكبرى، وإنما يقصرون الأمر على أنفسهم ويعتقدون أنه الصواب!



ولعل هذا هو السبب وراء اضطراب أدائهم البرلمانى الذى شهد، بعد الهجوم المتطرف والتصعيد المبالغ فيه ضد الجنزورى

إلى الوصول لسقف التشدد برفع جلسات المجلس حتى تتحقق طلباتهم، ثم كانت المفاجأة أن يتلاشى كل ذلك

دون أن يتحقق أحد مطالبهم المعلنة، وبدلا من أن يصدر عنهم أى اعتراف بخطأ فى الرؤية أو الحساب،

إذا بهم يشعلون فورا معركة أخرى بذات الحماسة ضد لجنة الانتخابات الرئاسية

وكأنهم اكتشفوا فجاة أن قراراتها محصنة، وكأنهم غير مسؤولين عن تحصينها!!



وعلى الناحية الأخرى لدى المجلس العسكرى، فلم يصدر عن أحد قادته إشارة صريحة إلى أى خطأ اقترفوه

مما تسبب فى الكوارث التى مُنيت بها البلاد بسبب سياستهم منذ الإطاحة بمبارك! لن تجد اعترافا عن المسؤولية

عن شهيد واحد من المئات الذين سقطوا إما برصاصهم أو بسلاح البلطجية المطلقين أحرارا تحت حماية قوى مجهولة

فشل المجلس العسكرى عن ردعها كما فشل فى إقناع الجماهير بخلو ساحته من المسؤولية إزاء أفعالهم!



وليس هناك اعتراف عن خطأ الإصرار على استكمال آخر مشاريع مبارك بتكليف لجنة لإجراء بعض التعديلات

على بعض مواد الدستور، برغم أن هتافات الثورة المدوية كانت تطالب بإسقاطه،

وبرغم تحذيرات الخبراء بأن هذا السبيل يؤدى حتما إلى متاهات وكوارث!



وحتى بعد أن وصل تحالف المجلس العسكرى مع الإخوان إلى أزمة نراها ولا نعرف أسبابها الحقيقية،

لم يصدر اعتراف عن خطأ دعمهم للإخوان ولا تبيان كيف كان الدعم وفى أى مسار، ولا حتى عن أسباب الخلاف والجفوة.



وأما أبطال لجنة التعديلات الدستورية الذين ساهموا فى إعاقة الثورة عن بلوغ أهم أهدافها، فلم يعترف أحدهم بخطأ واحد

حتى بعد أن تبين أن ما صاغوه من مواد دستورية تحول على الأرض إل كوارث حقيقية أدت إلى منزلق تأجيل الدستور

وتقديم الانتخابات البرلمانية، وأنعمت باستمرار حصانة قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية،

وهو ما أدرك الجميع الآن خطره عندما باتت الانتخابات على الأبواب!



وأما القوى والتيارات المدنية التى أشعلت الثورة وقادتها وقدمت من صفوفها أوائل الشهداء،

فلم يبدر من زعامئهم نقد ذاتى بعد أن تبين خطأ اعتمادهم على أدوات وسبل غير مجدية فى العمل السياسى

وسط الجماهير العريضة! فقد ظنوا أن التواصل عبر الانترنت هو أقصر الطرق للوصول إلى الجماهير

وإقناعهم ببرامجهم السياسية ومرشحيهم فى الانتخابات، وكان دافعهم إلى ذلك الوهم بأن ما نجح فى إشعال الثورة

هو أيضا مفيد فى الانتخابات، وحتى بعد أن تجلى فشل ذلك فى الانتخابات البرلمانية وبما لا يدع مجالا للشك،

فإنهم لا يزالون فى دنيا الخيال أنه من الممكن أن يساعد فى وصول مرشحهم إلى القصر الرئاسي!