[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]سأكتبُ عن حبيبى! [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فاطمة ناعوت
الخميس 03-05-2012
أخذتنا المِحَنُ يا صديقى؛ فنسينا الجمالَ والحبَّ والفنَّ. كبَّلتنا
خيوطُ السياسة الخشنة، وأحزانُ الوطن الطيب، وأوجاعُ أبنائه المطحونين،
وحيودُ الثوراتِ عن سبيلها؛ فنسينا الخيطَ الحانى، الذى يخترقُ أعماقَنا
فيُخرجُ منها «الهمجىَّ» الفظَّ، ليستبدلَ به المتحضِّرَ النبيل: الإنسان.
الخيطُ الحانى Soft String، هو الفنون الجميلة: الموسيقى، التشكيل، النحت،
الأوبرا، المسرح، الباليه، العمارة، الشِّعر، السينما، وغيرها مما يُميِّز
الإنسانَ عن سائر المخلوقات. لولا الفنون ما ارتقينا عن فصيل الحيوان، أو
الهمجىِّ الأول. الفنُّ يهذِّبُ الروحَ، ويسمو بالعقل. وإن سألنى سائلٌ:
كيف نكتبُ عن الفنِّ والجمال فى زمن المِحن والأزمات؟ فلن أجيبَه بمقولة
أفلاطون فى القرن الرابع قبل الميلاد: «علِّموا أولادَكم الفنَّ، ثم أغلقوا
السجون»، بل سأُحيله إلى عام 1937، حيث مقال العقَّاد: «بل ضرورية جدّاً»،
بمجلة «الرسالة»، حين سُئِل: «هل الفنونُ الجميلة من ضروراتِ الحياة، أم
هى كمالياتٌ تأتى بعد لقمة العيش؟» فقال الأستاذ: «بوسعنا العيش دون مَلكة
النظر سبعين عامًا دون أن نهلك، ولا نقدر أن نعيش سبعين يومًا دون الرغيف،
ولم يقل أحدٌ لهذا إن الرغيفَ أهمُّ من البصر. وبتقييم السوق: الرغيفُ
أرخصُ من الكتاب، والتمثالُ أغلَى من الثوب. فقيمةُ الشىء لا تتعلق بقدر
الحاجة إليه، بل بقدر ما نصبح عليه إذا حصَّلناه. فتحصيلُنا الرغيفَ
يساوينا بسائر الأحياء، ولكنْ تحصيلُنا الجمالَ لا يجعلُنا أحياءً وحسب، بل
يجعلنا بشرًا ممتازين فى أمَّة ممتازة، تُحِسُّ وتُحسنُ التعبيرَ عن
إحساسها. الضروراتُ توكلُنا بالأدنَى من مراتب الحياة، أما الذى يرفعنا إلى
الأوج من طبقات الإنسان، فهو الفنون».
تصوروا أن بلداً فقيراً مثل فنزويلا بأمريكا اللاتينية، التى 67% من
سكَّانها تحت خط الفقر، احتلَّ مكاناً بموسوعة «جينيس» بوصفه الشعبَ
الأكثرَ سعادة فى العالم! رأيتُ بعينى كيف يكدُّون بالنهار، وبالليل
يُقشِّرون عنهم أوجاعَهم بالرقص: الميرينجى والسالسا والسامبا والرومبا!
فهل هم يهربون من الحياة؟ أم يهربون إلى الحياة؟
مصرُ لم تتعافَ من جروحها، والمصريون مرتبكون بالفقر والتشرذم
والتخبُّط. نعم،ولكن كل هذا لا يمنع أن نقرأ قطعةً طيبة من الموسيقى
تُهذِّبُ روحَنا، أو نُنصتَ بعيوننا إلى إيقاع لوحة تشكيلية بديعة تُقشِّر
عنَّا الحَزَن.
لذلك فرِحتُ حين خصَّص لى العزيز «مجدى الجلاد» هذه الزاوية، لأهربَ
فيها، معكم، من خشونة أعمدتى الأخرى المُثقلَةِ بهموم الوطن. هنا سأكتب عن
حبيبى: «الفن». أما عنوان زاويتى: «غُصن»، فقد اخترتُه لأشبُكَ عليه كلَّ
يوم ورقةَ شجر جديدة: لوحةً، قطعةَ موسيقى، أغنيةً، قصيدة، أوبرا.. إلخ.
وربما أكتبُ عن عصفور جميل، قرَّر أن يحُطَّ على «غُصْنى».