د.الشيخ عائض
القرني
ذكر الحاكم في كتابه «المستدرك» أن عيسى عليه السلام مر بسفلة أنذال، فقيل له: ألا
تعلّمهم؟ فقال عليه السلام: إن من الحكمة أن لا تعلق الدر بأعناق الخنازير. تذكرتُ
هذا القول وأنا أقرأ أخبار الملاحدة والزنادقة ومقالاتهم في الصحافة ومواقع
الإنترنت، وأطالع كتب فلاسفة الباطنية الكافرين بالله، الصادّين عن سبيله،
المخاصمين لرسله عليهم السلام، المعرضين عن الوحي، فأتذكر قول الله تعالى: (وَلَوْ
عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ
وَّهُم مُّعْرِضُونَ)، ثم أقرأ نتاج فروخهم وكتابات أحفادهم، فإذا هم ذرية بعضها
من بعض في الضلالة والانحراف، وأتصفح كتب وروايات بعض شياطين العرب الذين يلمزون
الشريعة، ويحاربون الملة ويبغونها عوجا، ويتشدقون بكلام الفلاسفة، وينفرون من
أحاديث البخاري ومسلم، ويعشقون أسماء سقراط وأفلاطون وأرسطو، ويهجرون أسماء أبي
بكر وعمر وعثمان وعلي، وأقول في نفسي : ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون؟ لماذا
ينخلعون من مجد العرب وشرف العرب وفخر العرب وهي الرسالة النبوية الخالدة ؟ ماذا
عندنا نحن العرب إذا لم نتشرف بالإسلام؟ ماذا نملك؟ ماذا نحمل للعالم؟ ما الذي
نفاخر به الدنيا ؟ ما الذي نباهي به شعوب الأرض إذا لم يكن الدين الخالص والوحي
المقدس الذي بعث به سيد ولد آدم، رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ؟ إن هؤلاء العاقين يفعلون مع
الرسالة المحمدية كما يفعل الجعلان مع الزهر، إنه يفر من رائحة العطر ويعشق رائحة
الدنس والنتن ، ثم أتذكر: (لا تعلق الدر في أعناق الخنازير)
ما الذي أعجب ملاحدة
الفلاسفة وزنادقة الكتّاب في طرح (ماركس) و(غوته) و(ديكارت) و(كانت)، ولم يعجبهم
علم (أبي حنيفة) و(مالك) و(الشافعي) و(أحمد بن حنبل)؟ ما الذي حملهم على الهيام
بروايات التحلل والفجور والمجون، والتغني بأفكار الكفر ورفض الشرع، والاستهزاء
بالأنبياء، وركوب موجة الزندقة والباطنية الجاحدة، والنظر بعين الازدراء إلى تراث
الصدق والطهر، ونصوص القداسة والإيمان، وميثاق العلو والشرف، والحرية والعدل،
والكرامة الإنسانية، الماثل في رسالة الإسلام؟ لكنني أتذكر:
(لا تعلق الدر في
أعناق الخنازير).
لماذا يرفض هؤلاء الأقزام
الأزلام الأصنام مكة وزمزم والقبلة، واسم جبريل ومحمد، وغار حراء، والذكر الحكيم
والسنة المطهرة، وبدر والفتح، وبيعة الرضوان، ثم يتجهون إلى موسكو وبكين، ويرددون
اسم تولستوي وفولتير وهيجو ودانتي وغيرهم؟ لماذا تحب هذه الشرذمة الأفكار الطينية ،
والآراء الترابية ، والمناهج الإبليسية ، وتحارب الآيات الربانية ، والأحاديث
النبوية، والتعاليم الإسلامية؟ فأتذكر حينها:
(لا تعلق الدر في أعناق الخنازير).
إن الواحد القهار - جل في علاه - شرف العرب وغير العرب بمبعث النبي الأمي الهاشمي
القرشي العربي ، صلى الله عليه وسلم ، ولكن من حقت عليه كلمة العذاب ، وقدّر الله
عليه الشقاء، وكتب عليه الخزي والعار، وأعد له الأغلال والنار، لا يريد هذا الشرف،
ولا يحبذ طوق النجاة من الهلاك، ولا يركب سفينة الإنقاذ من الغرق، قال تعالى:
(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةُ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى
وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كانوا لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن
يَشَاءَ اللّهُ وَلـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).
إنني أقرأ القرآن فيعمر
الرضا نفسي ، والسكينة روحي ، والطمأنينة قلبي ، وأشعر كأن الرحمة تحف بي، فأتساءل في
نفسي : أي إكرام لي وأنا الإنسان المذنب المقصر الفقير، أن يخاطبني ربي بكلامه عن
طريق رسوله ، ليهديني ويصلح بالي ، وينوِّر بصيرتي ، ويُقوِّم منهجي، وينقذني من غضبه
وعذابه وأليم عقابه، ويدخلني في رحمته؟ ثم أنظر في كلام هؤلاء المنحرفين الشاكين
المدلسين الملبسين المردة الأدعياء، فأجد السخف والكذب والزور والبهتان والانحطاط،
فاقرأ:
(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا
كَذِبًا).
إذن، فمن رفض الهداية، وأبى الطُهر، وأنكر البرهان ، وهرب من الشرف ،
وأدبر عن إيمان ، ثم أقبل بعدها على التمسح بأوثان البشر وأقدام الطواغيت ، وقلب
وجهه على أحذية الملاحدة الخونة، فدعه في دنسه واتركه في رجسه :
(أَمَّا مَنِ
اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ ألَّا يَزَّكَّى) ،
وعليك أن لا
تعلق الدر في أعناق الخنازير، لأن الخنزير خبيث النفس، خبيث الجسم، خبيث المأكل،
خبيث المشرب، خبيث الرائحة، والخبيث لا يحب إلا الخبيث، ولا يهوى إلا الخبيث، ولا
يعشق إلا الخبيث:
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ)،
أما أهل الإيمان، وعباد الرحمن، وحملة القرآن، وأتباع سيد ولد عدنان، فهم رواد
الصدق وأنصار الحق وجنود الوحي؛ لأنهم طيبون، كلامهم طيب، وفعلهم طيب، ومعتقداتهم
طيبة، ومطعمهم طيب، ومشربهم طيب، ومنقلبهم طيب:
(وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ
لِلطَّيِّبَاتِ).
كارت أحمر لكل من يكتب
إلحادا أو زندقة أو فجورا، مكتوب عليه
(سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)،
لافتة تحذير وإنذار لكل عدو للملّة وخصم للشريعة، سُجّل عليها:
(فَوَيْلٌ لَّهُم
مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ).
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال له عمر : يا رسول الله ، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ، والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك ) . فقال له عمر : فإنه الآن ، والله ، لأنت أحب إلي من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الآن يا عمر ) .
الراوي: عبدالله بن هشام بن زهرة القرشي المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6632
خلاصة حكم المحدث : صحيح [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
منتدى تعليمي لكل المراحل الدراسية من الكي جي إلى الثانوية العامة
ماما هنا