الأيدى الناعمة.. نسخة ٢٠١١

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


هل تذكرون التسجيل الذى أذيع لمدير أمن البحيرة، اللواء مجدى أبو قمرة، وهو يخاطب العاملين معه، ويقول لهم «نحن أسيادهم»؟
كانت الثورة وقتها لا تزال طازجة، والحلم بأن «لا عبودية بعد اليوم» لا يزال حاضرا، والناس تصدق أن السادة انتهوا، وأن الشعب لقنهم درسا.
لذلك قامت الدنيا اعتراضا على استخدام اللواء أبو قمرة لفظ «أسيادهم».

لكن قبل أيام انتشر على الإنترنت فيديو للواء جيش اسمه محمود منصور. اللواء «المحترم»
وصف شابا من «٦ أبريل» (معيد فى كلية الهندسة بالجامعة الألمانية) بأنه مش متربى، عادى،
تعودنا على مفارقة أن الشتيمة تخرج دائما من أفواه «المتربيين». لكن الأنكى من ذلك أنه قال له «لا بد أن تتعلم كيف تحترم أسيادك».

هذه المرة مر التعبير ببعض الغضب، لكنه لا يقارن بالمرة السابقة. لماذا؟ لأن شيئا عميقا فى الشعب الذى رأى القتل والسحل والتعرية،
قبِل أن يصف حكامه أو المتنفذون فيه أنفسهم بأنهم أسياده. لأن مشاهد التنكيل نبّهت قطاعا عريضا من الشعب من الحلم الذى كان فيه.
لقد خاف السائبون. وهذا هو الإنجاز الحقيقى الذى أنجزه المجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية، إثبات، وتثبيت، أن أحلامنا كانت مجرد أوهام.
لكن هذه ملحوظة جانبية. الأهم منها هو عقيدة هؤلاء الناس الذين يملكون السلاح والنفوذ الذى يؤهلهم لوصف أنفسهم بأنهم أسيادنا، علنا،
على شاشات التليفزيون، دون أن تنقلب الدنيا.

هؤلاء الناس الذين يملك واحدهم من الشقق ما يغطى، على الأقل، مطالبه ومطالب أبنائه ومطالب التصييف فى رأس البر والإسكندرية والساحل الشمالى.

هؤلاء الناس الذين يحصلون على اللحوم بثمن أرخص من الثمن الذى يحصل به عليها فقراء الشعب.

هؤلاء الناس الذين يملكون أندية فى أفضل أماكن فى مصر، بينما لا يملك الشعب نفسه ولا حتى أراضى خلاء، لكى يلعب فيها أطفاله.

هؤلاء الذين انتظروا حتى كادت ميزانية الدولة تقترب من الإفلاس، ثم قرروا إقراضها مليار دولار،
كأنهم ينتمون إلى دولة أخرى صديقة أو شقيقة، أو حتى تربطنا بها علاقة الإطعام والإذعان.

هؤلاء الذين يقضون أقصر فترة فى الخدمة، ثم يحصلون على أعلى معاش.
عقيدة هؤلاء الناس أنهم أسياد الشعب.

من هنا فإنك قد تجدين إجابة عن تساؤلك: كيف يتحمل هؤلاء ذنب الدماء التى أسالوها دون مبرر بعد الثورة؟
وأنا هنا لا أتحدث عن المصيب والمخطئ سياسيا، إنما أتحدث عن الفعل نفسه، فعل القتل والتنكيل،
حتى لو افترضنا -جدلا- أن المقتول مخطئ.

وحدهم الأسياد يقتلون العبيد على أتفه الأسباب/ الأخطاء.

وحدهم الأسياد لا يؤنبهم ضميرهم ولو للحظة بعد أن ينهوا حياة عبد. وحدهم الأسياد لا يخجلون من فعلتهم،
ولا يحاولون أن يتواروا بها، بل يتحدثون عنها على أنها الأمر الطبيعى المنطقى (لقد حاول أن يهرب من المزرعة).

وحدهم الأسياد يطمئنون لوجود عدد كافٍ من العبيد المستعدين للدفاع عن فكرة قتل رفيق لهم، وتمجيد السيد.

لقد تحول السادة اللواءات إلى أصحاب الأيدى الناعمة الجديدة، تماما كما كان الباشوات قبل ١٩٥٢.
لقد صاروا يرفضون التحاق أبناء الفقراء بكلياتهم، بدعوى أنهم غير لائقين اجتماعيا،
وهم الذين اكتسب انقلابهم شرعية ثورية بانحيازهم إلى الفقراء.

لقد صاروا يعتبرون الابتسام فى وجوهنا مكرمة يجب أن نحمدهم عليها، والقسوة معنا فضيلة لا نستقيم إلا بها.

الفارق الوحيد أن باشوات العصر القديم اخترعوا مجموعة من القيم التى تباهى بها بعضهم أمام بعض،
كالتبرع بالأموال للجمعيات الخيرية والمستشفيات والمعاهد العلمية، وتنزيه أنفسهم عن دنايا لا تليق بهم، كإطلاق السباب، أو قبول ما لم يُدفع ثمنه، من سلع أو خدمات.
أما باشوات العهد الجديد فعنطزة بلا أيادٍ بيضاء مما يملكون، واكتناز، ولو بالسحت، على حساب تاجر فاكهة فقير،
أو سائق تاكسى على باب الله، أو مجند يقضى نصف خدمته فى توصيل الطلبات، وتوصيل المدام والأولاد، أو حتى مسح وتنظيف البيت.
عقيدة الأسياد والعبيد التى تعبر عن نفسها متوارية غالبا وسافرة أحيانا رسالة إلى كل المتفذلكين والأفاقين والمنافقين من السياسيين:

نحن لن نخترع العجلة. فى الدولة الحديثة التى تسعى إلى الفصل بين السلطات فإن المؤسسة التى تملك السلاح يجب، يجب، أن لا تملك السلطة.
المؤسسة التى لا تخضع لقواعد الانتخاب يجب، يجب، أن لا تملك السلطة.

ما سوى ذلك انتحار لفكرة الدولة، ولفكرة المساواة بين المواطنين. ما سوى ذلك تكريس لدولة «الأسياد والعبيد».

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
خالد البرى