تجفيف المستنقعات الحكوميه

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
د.عز الدين شكرى فشير


حاولت أن أعرف عدد العاملين فى مؤسسات وهيئات الدولة، ولم أصل إلى رقم واحد، فالسادة الذين كانوا مسؤولين عن هذا الأمر اختلفوا فى تقدير العدد،
من 5 ملايين موظف إلى 7 ملايين وأحيانا أكثر، وهذا فى حد ذاته يعطيك فكرة عن سوء الوضع. ما يتفق عليه الجميع أن نصف هذا العدد على الأقل لا لزوم له،
ولا عمل له، وكل دوره هو إثقال المؤسسات وإعاقتها عن أداء وظيفتها وكل المشكلات المعروفة المترتبة على ذلك. هل هناك حل؟
تجربة الوزراء فى الحكومات السابقة مضحكة مبكية. فالوزراء الذين أرادوا تطوير العمل بوزاراتهم لم يجدوا فى الجهاز الإدارى للوزارة سندا بل معوقا وعقبة،
كمماليك محمد على بعضهم حاول تدريب الجند الانكشارية على فنون القتال الحديث، وفشلوا مثلما فشل محمد على. حاول البعض القضاء عليهم،
لكن المماليك الجدد تعلموا الدرس: ذهبوا إلى العشاء فى القلعة، لكنهم انقضوا على الوالى وقتلوه وعادوا إلى الجلوس
على كراسى الوظيفة الصغيرة وهم يضحكون على الوزير الضحية. الوزراء الناصحون، الذين رأوا رؤوس زملائهم الطائرة، توصلوا إلى حل عبقرى،
وهو إرسال الجهاز الإدارى لوزاراتهم «يشترى طابع بوسطة». فقاموا بإلهاء بيروقراطية وزاراتهم فى حكايات وروايات لا أول لها ولا آخر
ولا هدف منها سوى إبقائهم منشغلين كى يبعدوا عنهم ويتركوهم يعملون. فى نفس الوقت، خلقوا أجهزة موازية كفء وصغيرة، تحت مسمى مكتب الوزير،
أو المكتب الاستشارى، أو المكتب الفنى، أو وحدة دعم القرار إلى آخر هذه المسميات الغامضة. وأتوا بتمويل لهذه الأجهزة الموازية كى يدفعوا مرتبات حقيقية
لأناس لديهم خبرات حقيقية وتم تعيينهم خارج قيود الجهاز الإدارى العقيمة، وتركوا البيروقراطية تغرق فى بؤسها.
لم يهدف هؤلاء الوزراء دائما للفساد مثلما يدعــــــى كهنـــــــــة البيـــروقــراطيـــة، بل كان معظمهم يحاول إنجاز العمل والتجديد
فى ظل أجهزة إدارية متهالكة ومهترئة وفاشلة ولم يجدوا غير هذا الإجراء الالتفافى. هل هذا حل؟ لا طبعا، بل هو جزء من الداء،
وهو شهادة وفاة للجهاز الإدارى للدولة. لكن لا يمكن لوزير وحده أن يعالج مسألة تتعلق بالملايين الخمسة أو الستة أو العشرة
العاملين فى جهاز الدولة ككل. حل المشكلة يتطلب علاجا يفوق سلطة أى وزير.

هناك حلول، وهى حلول لم أخترعها أنا أو أحلم بها، بل نفذتها دول عديدة،

وكلها تهدف لإعادة جهاز الدولة لوظيفته الحقيقية بدلا من أن يكون مصرفا تتجمع فيه مشكلات المجتمع.
تتضمن هذه الحلول على اختلافها إعادة هيكلة جهاز الدولة،

تقليص عدد العاملين به من خلال تشجيع من لا عمل له على البحث عن نشاط آخر خارج الجهاز ومساعدتهم على ذلك،

تغيير نظم التعيين والتقييم والتدريب والترقى، رفع مرتبات العاملين بحيث تصل إلى مستوى يضمن لهم الحياة الكريمة ويغنيهم عن البحث عن مصادر أخرى للدخل،

توفير إعانة بطالة، وغير ذلك من الإجراءات الصعبة، التى لا يكتمل تنفيذها إلا عبر سنوات طويلة من التصميم والجلد.

لا أحد مهتم بهذا الموضوع الآن، فالجميع مشغول بالانتخابات ومن سيحظى بالأغلبية فى البرلمان، وبالدستور، وكم مرة سيشير للشريعة الإسلامية،
وبانتخابات الرئاسة وحكم العسكر وأمريكا. وأقول لكم، وتذكروا هذه الكلمات بعد أن تستقر أمور الحكم،
كل هذا يهون مقارنة بما ينتظرنا فى مستنقعات الجهاز الإدارى للدولة.
فلن تتحقق أى من أهداف الثورة وتنهض مصر دون تجفيف مستنقعات الجهاز الإدارى للدولة القادر على ابتلاعنا جميعا.
لن تنهض مصر دون إصلاح حال الموظف وحال الوظيفة العامة والنظم الإدارية التى يعمل من خلالها. من أصغر وحدة سجل مدنى وحتى ديوان رئيس الجمهورية.
ومن الأفضل لنا جميعا أن نبدأ فى تجفيف هذه المستنقعات من الآن، لأن ذلك أمر سيطول،
وكل تأخير يفاقم المشكلات ويصعب الإصلاح ويطيل المدة المطلوبة لتحقيقه. فاستيقظوا يرحمكم الله.