[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]اليوم السابع فى قرية المشير المنكوبة.. شبح
التهجير يخيم على «أبوسمبل النوبة».. ومياه «وادى النقرة» تغمر القرية
وتطيح بمنازلها وتشرد سكانها.. والأهالى: الترعة كانت مخصصة لرى مزرعة
زكريا عزمى.. وطنطاوى الجمعة، 30 ديسمبر 2011 - 00:09
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
أسوان - سارة علام عبدالله صلاح - صلاح المسن تصوير - عمرو دياب
بين حلم العودة للنوبة القديمة، ومعاناة البقاء بعيداً عنها لعقود
طويلة، استيقظ أهالى قرية أبوسمبل بمركز نصر النوبة، على ضجيج الماء يطلق
حملة تهجير جديد.. لا يفرق فى بطشه بين الصعايدة والنوبيين حتى وإن فرقتهم
القبليات والصراعات الانتخابية، فكلهم فى الغرق سواء.
الماء سيغمرك حتى صدرك، إذا فكرت فى دخول أحد المنازل المنكوبة، حادث
الانهيار الجزئى فى ترعة وادى النقرة قسم القرية لضفتين، الأولى على اليمين
يقف فيها رجال القوات المسلحة يتجاورون مع شفاطات المياه التى تعمل بدأب
لإنقاذ ما تبقى من أنقاض قرية على الهامش، والضفة الأخرى تقف فيها أبواب
البيوت وحيدة فى الهواء بينما استسلمت الأحجار للماء، وتفتت تحت وطأة
تدفقه، لتترك للطيور مهمة التقاط فتات المواد الغذائية الغارقة، بينما تبقى
الترعة الجديدة التى تشكلت فى المنتصف دليلاً على إهمال تسبب فى كل ما
جرى.
قرية أبوسمبل التابعة لمركز نصر النوية بأسوان، والتى تقرأ على وجوه أهلها
ملامح تاريخ يضرب بجذوره فى أعماق التاريخ، استعادت ليلة من تاريخها
القديم، وهجرت ما عاشته لسنوات فى نور المدنية، لتعود إلى ظلام دامس طيلة
ساعات ليلة أمس، فى ظل انقطاع التيار الكهربى عنها بعد غمر 14 منزلاً وتضرر
أكثر من 96 آخرين إثر الانهيار الذى أطلق العنان لمياه الترعة كى تغمر
أنحاء القرية، وتطيح فى طريقها بجزء من سور مدرستى أبوسمبل الإعدادية
والابتدائية والإعدادية، وطاحونة أهلية، ودار ضيافة تابعة لجمعية تنمية
المجتمع، فيما حملت طائرة مساعدات عاجلة أطناناً من المساعدات الغذائية،
و2000 بطانية للمتضررين بناء على تعليمات المشير حسين طنطاوى القائد العام
رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
«اليوم السابع» عاشت المأساة بين أهل القرية التى خرج منها حاكم مصر الحالى
المشير محمد حسين طنطاوى، البداية تأتى على لسان «محمد سيد إبراهيم»، حيث
منزله يقابل بحيرة وادى النقرة، ويحكى القصة منذ بدأت قائلاً: كنت أتناول
الشاى فى الخامسة والنصف فجراً، عندما سمعت صوتاً عالياً، وظننت فى البداية
أنه دوى رصاص، فخرجت لأكتشف أن الجسر انهار بعد مرور 3 ساعات على انقطاع
التيار الكهربى عن القرية كلها.
إبراهيم يواصل « اللى حصل أن عندنا مصرفين للمياه، مصرف 3 ومصرف 4 يعملان
بالتوازى، فإذا عمل المصرف 3 بكامل طاقته، يبلغ الموظف المسؤول زميله
بالمصرف 4 أن يرفع قدراته، وإذا قلل الطاقة يبلغ المصرف أيضاً» ويشير بيده:
«هى عبارة عن فردتين، واحدة تضخ المياه والتانية تصرفها، واللى حصل أن
المصرف 3عطلت فيه وحدة، والموظف لم يبلغ المصرف 4 يقلل القدرة»، فارتفع
منسوب المياه عن الحد وتدفق حتى وصل لأضعف نقطة بالجسر وتسبب فى انهياره.
يصرخ إبراهيم الذى أصر على أن يصطحبنا إلى داخل منزله «إحنا مش عاوزين
تعويضات إحنا عاوزين نعاقب موظف الرى المسؤول عن اللى حصلنا»، أما فى داخل
المنزل، فإنك تعبر طريقا طويلا من الطين، أو نهرا عميقا تتخلله بعض الأحجار
التى يستخدمها الشباب للعبور داخله، لكى يتمكنوا من نزح المياه للخارج بعد
أن تسببت فى انهيار غالبية الحوائط وجميع المتعلقات والأثاث، وتلحظ على
الفور ما تبقى من الأجهزة الكهربائية بالمنزل الغارق، وقد سبحت على وجه
الماء يجاورها فتات الخبز الذى كان معدا كطعام للطيور.
على بعد خطوات، حيث منزل آخر يجاور منزل إبراهيم، صاحب المنزل الحاج على
يبكى بهائمه التى غرقت وطنا ونصف من السماد أغرقته المياه، يقول لك فى حسبة
سريعة «دى مصيبة لأى فلاح، 20 شيكارة كيماوى» سماد «غرقت والشيكارة بـ140
جنيه، وطبعاً الزرع راح علينا السنة دى ومش عارفين هنوكل العيال منين»,
أمام المنزل، خيمة كبيرة، تجمعت فيها الأسر الثلاث التى كانت تسكن منزل
رمضان عويس صاحب مستودع البوتاجاز الذى غمرته المياه تماما وفقد 80 أنبوبة
هى «الحيلة والذخيرة» -حسب وصف عويس. تغالب الطين الذى يحاول أن يسحبك
للأسف، لتستكمل طريقك، حيث تقابل سيدات مسنات يجلسن على حصيرة أمام أبواب
المنازل الغارقة يحاولن تجفيف ملابسهن بضوء الشمس، بينما يأخذهن طبيب يرتدى
شعار حزب الحرية والعدالة للبيت الوحيد الناجى فى القرية ليطمئن على
صحتهن ويمنحهن أدوية الضغط والسكر.
تقول أم محمد: المستوصف الصغير فى القرية غرق أيضاً، بالإضافة إلى مدرستين غمرت المياه شبابيكهما حتى المنتصف.
على الحصيرة نفسها، تحكى لك «مودة» كيف هربت من المدرسة بعد طابور الصباح،
وتقول: بعد الطابور على طول سمعنا صوت المية تدخل إلى المدرسة.. فتحوا لنا
الباب وجرينا ع البيوت بسرعة، والبنات كلها كانت بتجرى عشان ترجع وخايفين
نتزحلق.
«نعيمة» تحكى بمرارة أن الحكومة تركتهم، بعد أن اكتفت بتوزيع 800 جنيه على
أسرتها المكونة من 9 أفراد، وقالت إنهم غير منكوبين بينما ترى البهائم
عائمة فى الماء والحوائط منهارة تماما، مستكملة: «الحرية والعدالة
والسلفيين هما اللى وقفوا معانا وجابوا لنا بطاطين نضيفة مش زى بتاعة
الحكومة الناشفة، وأدونا لبن وعيش وأكل ووقفوا معانا وقفة رجالة لكن
المحافظ اتصلنا بيه الساعة 5 الصبح جالنا الساعة 12 وبص على البلد وقال
الحمد لله مافيش خسائر فى الأرواح»، وتنظر نعيمة إلى السماء بعيون دامعة:
«أمال اللى إحنا فيه ده كله مش خسائر؟».
نعيمة تواصل الحديث: المشير طنطاوى تدخل شخصياً لإنقاذ القرية وهو الذى
استدعى عربات القوات المسلحة لشفط المياه، بعد أن اتصلت به قريبته على
الهاتف فسارع بالتدخل.
تأخذ بأطراف الحديث سيدة أخرى، وتقول إحنا ماحدش حاسس بينا فى البلد هنا
عشان إحنا صعايدة والباقيين نوبيين، وفاجأتنى بتوجيه السؤال إلى: وبعدين
انتوا فين مش بتعرفونا غير فى المصايب؟؟
فى منزل مجاور تقول سيدة ثالثة: سيدات القرية جميعاً يدخرن فيما بينهن
لتجهيز عرائس القرية من الفتيات عن طريق مبالغ شهرية تدفعها كل منهن إلا أن
المياه قضت على أحلام الزواج وجهاز العرائس كما قضت على قوت اليوم ولا
نعرف ماذا نفعل غداً.
نغالب طين القرية الذى أخفى معالم شوارعها، لنستكمل جولتنا، يقابلنا شباب
حزب الحرية والعدالة فى كل مكان يرتدون شعار الحزب، ويخبرك أحد الأهالى أن
انتخابات القوائم فى تلك الدائرة ستعاد بقرار من محكمة القضاء الإدارى،
ولكنه فى عبارة موحية يشير إلى شباب الحزب ويقول: «بانوا فى الشدة».
من أمام منزل صبرى محمد حسن المواجه للجسر أيضاً، تكتشف أن البحيرة التى
تسببت فى غرق القرية بأكملها لا تروى الأراضى الزراعية بالقرية، ويقول لنا
صبرى إنها تضخ مياهها لمنطقة وادى النقرة، حيث مزارع كبار رجال الأعمال،
وعلى رأسها مزرعة العنب الشهيرة لزكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية
السابق.
يواصل صبرى الحديث وجسده فى الماء: طلبنا من المسؤولين مئات المرات أن
يجدوا حلاً للترعة، إلا أنهم لم يستجيبوا لنا وها هى الكارثة قد وقعت
بالفعل.
فى المنزل الوحيد الناجى من القرية تفتح أم عبدالله الباب لتأوى جاراتها من
النساء وتمدهم بالبطاطين والطعام بينما يغادر زوجها المنزل ليبحث عن مكان
آخر للمبيت من أجل راحة الجارات.
تذكر لنا إحدى السيدات فى سخرية أن اللواء مصطفى السيد محافظ أسوان، أكد فى
جميع وسائل الإعلام أن مدينة أبوسمبل السياحية بخير فاطمأن الجميع على
السياحة والآثار، ولم يلتفت أحد إلى أن قرية أبوسمبل التى نسكنها لم يبق
منها سوى أنقاض منازل وأسر منكوبة تتأخر الحكومة فى إعانتهم كالعادة.
«فوزى جاهو» (45 سنة) يتحدث عن ليلة الظلام فى قرية المشير، ويقول إن أهالى
القرية باتوا داخل أماكن إيواء عاجلة عبارة عن مجموعة خيام وفرتها القوات
المسلحة داخل مركز شباب القرية، وقامت بتزويد المتضررين ببطاطين ومبلغ مالى
يقدر بـ100 جنيه لكل فرد كإعانة عاجلة للأهالى، فى الوقت الذى اتجه فيه
عدد من أهالى القرية أيضاً إلى مساعدة المتضررين ودعوتهم للمبيت بمنازلهم
الأحدث بناء والتى لم يلحقها ضرر من المياه.
جاهو يشير إلى أن الزيادة المفاجئة فى منسوب ترعة نصر النوبة أدت إلى حدوث
عطل مفاجئ بمحطة الرى رقم 4، ومع استمرارية عمل محطتى 3 و2، حدث ارتجاع
للمياه، ما تسبب فى حدوث ضغط كبير على الجسر المجاور للترعة، ليؤدى ذلك فى
النهاية إلى انهيار جزئى بطول 300 متر، مضيفاً: استيقظنا فجر الأربعاء على
اندفاع المياه بشكل كبير على منازلنا والتى غمرت العديد منها، فخرجنا
جميعاً إلى الشوارع فى محاولة لإنقاذ أرواح الأهالى من الغرق خاصة الأطفال
والنساء والشيوخ، لنحملهم إلى المرتفعات فراراً من المياه.
ويلفت فوزى إلى أن طبيعة تكوين ترعة وادى النقرة تجعلها فى وضعية أعلى من
منازل القرية، وعندما حدث اندفاع المياه كان من السهل أن تهاجم المنازل،
وتحول القرية إلى ما يشبه البحيرة. ويحكى جمال عبدالله مأساة سيدة عجوز ظلت
تصرخ لإنقاذ أحفادها الصغار، حيث سارع إليها الأهالى، لتؤكد لهم بعد ذلك
أنها حاولت الاستنجاد بمركز الشرطة، وجاءها الرد: «المركز لم يتلق أى بلاغ
بشأن هذا الموضوع»، فيما توضح هبة بشرى، المنسقة الإعلامية للاتحاد النوبى
العام بأسوان لـ«اليوم السابع»، أن القرية لا تمت بصلة لمدينة أبوسمبل
السياحية، ولكنه مجرد تشابه أسماء، مشيرة إلى أن قرية أبوسمبل بمركز النوبة
هى من مسميات قرى التهجير، وجميع سكانها من أهالى النوبة، موضحة أن هناك
اجتماعات عقدت على مستوى النوادى النوبية فى أسوان والإسكندرية، لبحث مشكلة
أبناء النوبة فى قرية أبوسمبل وسبل الخروج منها..
أما رأفت الشافعى مدير مركز الزلازل بأسوان فيؤكد أن الزلزال الذى ضرب
مدينة أبوسمبل السياحية مساء يوم الجمعة الماضى، بقوة 4 ريختر على محيط من
55 إلى 60 كم محيط الزلزال، بعيداً تماماً من منطقة الانهيار الجزئى الواقع
بمدينة نصر النوبة، ولا تأثير له على الإطلاق بالواقعة.
كان اللواء مصطفى السيد محافظ أسوان أكد عدم وجود أى حالات وفيات أو إصابات
بقرية أبوسمبل بمركز نصر النوبة، نتيجة الانهيار الجزئى فى الجسر والطريق
المجاور لترعة النقرة الرئيسية، مشيراً إلى أنه سيتم على الفور البدء فى
حصر الخسائر المادية، سواء بالنسبة للانهيارات الجزئية والكلية والتصدعات
فى المنازل، أو بالنسبة للمنقولات والأجهزة المنزلية، وذلك لصرف التعويضات
المناسبة لكل حالة، علاوة على سرعة بناء سور مدرسة أبوسمبل الإعدادية.
كما أوضح المحافظ، أنه تم تنظيم عمليات شفط المياه داخل القرية بواسطة 40
سيارة شفط، علاوة على معدات الحماية المدنية، فيما عملت قوات الحماية
المدنية على إقامة جسور لمنع وصول المياه للمزيد من المنازل، بالإضافة إلى
الاستعانة بمعدات وسيارات الدفاع المدنى فى شفط تراكمات المياه لحماية
الممتلكات الخاصة والعامة. وحولت القوات المسلحة مركز شباب أبوسمبل إلى
مركز إغاثة لتوزيع المعونات على المواطنين، فيما أشار فهمى محمد على رئيس
مجلس محلى أبوسمبل السابق إلى أن الخطر كان متوقعا، كاشفا عن وجود اعتمادات
مالية أهدرت فى النظام السابق كانت مخصصة لإنشاء مصرف مواز لترعة أبوسمبل
لسحب أى مياه زائدة ولا أحد يعرف أين ذهبت؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]