عولمة الرق!!يقوم نظام العولمة الحالي على تحكم النظام الاقتصادي الأمريكي الرأسمالي في العالم . هذا النظام تنتج عنه سلبيات عدة،
من أهمها عدم ضبط مسألة تضخيم الأرباح ولو كانت على حساب موت الآخرين جوعًا . فوفقاً لقوانين هذا النظام
ليس هناك ما يمنع أن تلقي دول الغرب الفائض من انتاجها في البحر حتى تحافظ على سعر المنتج، بينما يموت آخرون بسبب فقده!!
كما أن النظام الاقتصادي العالمي الجديد تحكمه الشركات متعددة الجنسيات العملاقة ومعها الشركات المحلية .
و لا مجال فيه لتشريعات سمحة تمهل المدين إلى ميسرة، أو تأخذ صدقة من أغنيائهم فتردها إلى فقرائهم، أو تبطل بيع ما لا نفع فيه،
أو تمنع ما لم ينضبط جانب الغنم أو الغرم فيه، أو تفسد من المعاملات ما كان فيها جهالة أو غرر،
أو تحرم سلعاً لمفسدتها فتمنع من التعامل بها .. إلخ .
ومما لاشك فيه أن السنوات العشرين الأخيرة شهدت تحولات ضخمة على الصعيد العالمي كله نتيجة لهذا النظام,
فأصبحت المؤسسات المائة الكبرى في العالم تتحكم بـ 20% من إجمالي أموال العالم . كما أن 51% من أكبر قوة اقتصادية تسيطر عليها مؤسسات كبرى ،
بينما لا تسيطر الحكومات سوى على الـ 49% الباقية فقط . ويبدو في الإطار نفسه أن مبيعات شركات (جنرال موتورز) و (فورد) مثلاً
تفوق الناتج القومي الإجمالي لجميع دول جنوب الصحراء في القارة الإفريقية، وتتجاوز ممتلكات شركات (آي . بي . إم) و (بي . بي)
و (جنرال إليكتريك) الإمكانيات الاقتصادية التي تمتلكها معظم البلدان الصغيرة في العالم!! كذلك فإن دخل بعض محلات (السوبر ماركت) الأمريكية
قد يزيد على دخل معظم دول وسط أوروبا وشرقها بما فيها بولندا، والمجر ورومانيا .
وهذه الشركات الضخمة لا تتورع عن إبرام أية صفقات مشبوهة وارتكاب كل المحظورات من أجل تعزيز نفوذها المالي والاقتصادي،
لتكون النتيجة بالتالي التحكم في كل ما يحتاجه الإنسان العادي حتى في أبسط حاجات حياته اليومية . وهذا ما يسميه بعضهم بـ (الاستملاك الصامت)،
أو قل بتعبير أدق (الاستعباد الصامت) حيث أصبحت الحكومات مغلولة الأيدي، والشعوب مقيدة بشروط تفرضها المؤسسات الكبرى
التي تحدد قواعد اللعبة حسب مصالحها الذاتية ، والتي لا تملك الحكومات سوى تنفيذها. فهذه الحكومات غدت ترى أن من واجبها الأول تهيئة الظروف المواتي
ة لإزدهار المؤسسات المعنية، وتوفير البنية الأساسية التي يحتاجها رجال الأعمال بأرخص التكلفة لحماية نظام التجارة الحرة في العالم .
وبذلك تضطر حكومات الدول النامية- في نهاية المطاف- الى الانصياع الكامل لشروط (اللوبي) الدولي،
وهو ما أدى إلى ظهور تيارات احتجاجية قوية لا يربطها شيء ولا تجري في إطار حدود جغرافية معينة .
فالمنادون بها لا تربطهم صلات ثقافية أو تاريخية مشتركة،
فهم جماعات وجمعيات أهلية متنوعة يجمعها هدف واحد محوره استعادة الشعوب لحقها في الاختيار وفي تقرير مصيرها،
وكلها يحذر من مغبة المضي في هذا الطريق الوعر الذي سيكون من نتيجته تكرار الكوارث الاقتصادية والاجتماعية في كافة أنحاء العالم .
ومن بعض كوارث هذا النظام دخول أكثر من 75 دولة القرن الحادي والعشرين وهي خاضعة ، كلياً أو جزئياً،
لمشيئة البنك الدولي، مستسلمة لإرادته، منفذة لسياسته، تجنباً لإعلان إفلاسها . وبموجب ذلك تلتزم هذه الدول بتخفيض الإنفاق،
ووقف الدعم للمواد الاستهلاكية التي تقدمها لشعوبها الفقيرة .
فلا عجب إن تثبت دراسات الأمم المتحدة أن 12 مليون طفل تحت سن الخامسة، يموتون سنوياً نتيجة أمراض قابلة للشفاء،
وهذا يعني أنه فى كل يوم يموت 33 ألف طفل لأسباب يمكن تجنبها بما فيها سوء التغذية . وتشمل هذه الدراسة أطفالاً من العالم الإسلامي
من بنجلاديش حتى موريتانيا، فحكوماتها- تحت وطأة تضخم ديونها- لا تستطيع توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الطبية والوقائية .
ومن ثمار ذلك أيضاً أن ثلث سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر،
بينما تمتلك بعض المؤسسات والشركات ما لا تمتلكه عشرات الشعوب مجتمعة !!!.
ولا يخضع النظام العالمي الاقتصادي لأي تشريع إلهي، فما قضي به الرأسماليون هو التشريع سواء خالف الوحي المُنَزَّل أو وافقه،
والدراسات الاقتصادية أو التجارية أو الإحصائية والاجتماعية التي تمثل مصالح القطاع المالك هي التي تحكم، وليست النصوص والقوانين الإلهية المقدسة .
وهكذا تسبب الرأسمالية حتماً تحكماً للقلة الغنية (الغرب) في رقاب مئات الملايين من البشر في العالم الفقير المطحون !
وهذه عبودية أخرى باسم العولمة . فالعبودية في رأينا لا تقتصر على الصورة التقليدية- وهى تملك الإنسان بالخطف
أو الشراء – بل تتحقق كذلك في كل علاقة تتسم بالسيطرة والاستغلال والإذلال من شخص أو جماعات أو دول للآخرين الأضعف شأناً .
بذلك يكون الاحتلال العسكري- كما رأينا ونرى – هو من أشد حالات الاستعباد لشعوب بأكملها .
و تكون العولمة استعباداً اقتصادياً من أبشع ما يكون .
ومن أِشد أنواع الاستعباد المعاصر الآن تلك الهيمنة الاقتصادية وإذلال الشعوب الفقيرة بالديون الباهظة ..
والدين كما قيل بحق "همٌ بالليل وذلٌ بالنهار" .
فقد لجأت دول الغرب الرأسمالية إلى أسلوب خبيث في امتصاص دماء البلاد النامية ونهب خيراتها بدون اللجوء إلى القوة العسكرية
التي لن تكفي لاحتلال كل تلك البلاد، وهكذا استغلت الوحوش الرأسمالية فقر وتخلف معظم شعوب أفريقيا وآسيا- بالإضافة إلى فساد معظم حكامها
– لترهق كواهلها بألوف البلايين من الدولارات كديون ذات فوائد ربوية فاحشة، وصلت بحجم الديون إلى أرقام فلكية مستحيلة الدفع !!
وهنا يبدأ الشياطين الرأسماليون الغربيون في إملاء كل الشروط المجحفة، ومنها الحصول على المواد الخام من الدول المطحونة كالنفط وغيره بأبخس الأثمان،
و قبول وجود قواعد عسكرية - اللفظ المهذب البديل للاحتلال العسكري – على أراضيها .
ولا تقتصر الشروط الظالمة على هذا بل تمتد لتشمل إملاء كل السياسات الاقتصادية، مثل الإجبار على بيع معظم شركات ومرافق الدول المدينة للقطاع الخاص،
وطبعاً يدخل وحوش الغرب لشرائها بأقل الأسعار. وينتهي الأمر بالضحايا إلى اكتشاف أن كل شيء في دولهم البائسة أصبح فعلياً " مملوكاً " للغرب!!
وبطبيعة الحال تفقد الدول المطحونة الإرادة السياسية تماماً, كما تخضع لرغبات " السادة " الجدد
في تغيير كل الأنظمة الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية والتعليمية .. والمثال الواضح ما جرى مؤخرا في العديد من دول الشرق الأوسط
من تغيير للمناهج التعليمية بها نزولاً على أوامر "السيد" الأمريكي التي لا تُرد !!.
وإذا لم يكن هذا كله "عبودية" من أبشع طراز فما عساها تكون ؟!! وإذا كنا نندد بهذا الاستعباد الرأسمالي فإننا لا ننكر أن الشيوعية
استعبدت شعوباً كثيرة أيضاً بأساليب مختلفة ..
ويكفي أن نذكر كمثال هنا إبادة أكثر من عشرين مليون مسلم وتشريد الباقين على يد الطاغية الروسي جوزيف ستالين،
كما دهس الطاغية اليوغسلافي "تيتو" آلاف المصلين في المساجد بالدبابات، وما زال أكثر من ثلاثين مليون مسلم في تركستان الصينية،
يئنون تحت وطأة القهر والاستعباد الشيوعي الصيني .. نشير أيضاً إلى إجبار مئات الملايين في الدول الشيوعية على التخلي عن الدين،
وتحويل المساجد إلى مباني للحزب الشيوعي أو اصطبلات للخيول، واعتقال الملايين ممن يعارضون الطغيان الشيوعي
وتعذيبهم وتصفيتهم جسدياً من أجل ترسيخ " سيادة " طبقة العمال "البروليتاريا" . فالاستعباد هنا جماعي يتم بواسطة طبقة العمال
التي تمارسه ضد باقي طبقات المجتمع .. كما إن إجبار عشرات الملايين من الناس على مغادرة أوطانهم لإحلال آخرين محلهم،
وإجبار الجميع على العمل في الأماكن والمجالات التي تحددها السلطة الشيوعية بلا أجر، هو في حد ذاته من أشد الممارسات إذلالاً للناس
كما كان يحدث للعبيد من قبل . والمجال لا يتسع لذكر كل ألوان الفظائع الشيوعية, ولكن هل جاءت الرأسمالية الغربية المعاصرة بشيء أفضل من الشيوعية ؟!
أم أن أساليب قهر الناس وإذلالهم ونهب أموالهم هي وحدها التي تغيرت، بينما جوهر الاستعباد واحد لدى الجميع ؟ !
إننا نشعر بالفخر والاعتزاز عندما نعلن أن الإسلام العظيم قد حرم كل هذا الظلم والقهر والإذلال والاستغلال من إنسان لأخيه الإنسان .
الإسلام العظيم هو النظام الوحيد الذي يكفل الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر .
إنه الإسلام الذي صاح خليفته العادل عمر رضي الله عنه بواليه- عمرو بن العاص - يوماً :
"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" ؟!(4) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] المراجع1- جريدة "الأهرام" المصرية عدد 28 / 5 / 2007م – صفحة الشئون العربية .
2- عن موقع سي إن إن باللغة العربية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]3- عن موقع "المسلم" على النت – كتاب رسالة المسلم في حقبة العولمة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]4- انظر سيرة عمر بن الخطاب في الكتب الآتية : سير أعلام النبلاء للذهبي – الطبقات الكبرى لابن سعد – حلية الأولياء لابي نعيم –
أسد الغابة في معرفة الصحابة – مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي – عبقرية عمر لعباس محمود العقاد – البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]