رحلة فى عقل (الببلاوى) مهندس السياسات الاقتصادية فى حكومة (شرف)
آخر تحديث:
الاثنين 25 يوليو 2011 1:53 م
بتوقيت القاهرة تعليقات:
1
محمد جاد - [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] حازم الببلاوي
تصوير: مجدي إبراهيم
اطبع الصفحة
بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، انشغل الاقتصادى
المصرى الشهير حازم الببلاوى، بمستقبل النظام الاقتصادى المصرى فى ظل
المتغيرات التى طرحت نفسها مع هذا الحراك الشعبى الهائل، وربما لم يدر فى
خلده وهو يحاول الاجابة عن هذا السؤال فى مقدمة كتابه «النظام الرأسمالى
ومستقبله» التى كتبها فى مايو الماضى، أنه سيتولى هندسة الملف الاقتصادى فى
الحكومة، ووزارة المالية ايضا، بعد شهرين. وفى ضوء منصبه الجديد يقدم لنا
هذا الكتاب، الصادر مؤخرا عن دار الشروق، اشارات مهمة عن الفكر الاقتصادى
لحكومة عصام شرف الثانية. ربما يكون السؤال الابرز الذى
واجه الببلاوى وهو يحاول البحث فى مسألة مستقبل النظام الرأسمالى هو
العلاقة بين السوق والدولة، والذى يطرح نفسه بقوة ايضا بين انتقادات تيارات
اليسار لانسحاب الدولة القوى من الحياة الاقتصادية فى العهد السابق من
جهة، وتمسك التيارات اليمينية باقتصاد السوق الحر مع الزامه بالمزيد من
التوجهات الاجتماعية، من جهة اخرى.
وفى محاولة للاجابة عن هذا
السؤال الشائك، حاول الببلاوى أن يقدم قراءة تاريخية لنشأة الرأسمالية،
وآلية عملها، وفى هذا السياق قدم الببلاوى رؤية تعتبر أن النظام الرأسمالى
«ظاهرة اجتماعية اقتصادية تكنولوجية» وليست وليدة نظرية علمية، لذا فهى لم
تفرض بقوة خارجية وانما هى «حصيلة تفاعل اجتماعى»، وهى رؤية اقصائية للمذهب
الاشتراكى، الذى اعتبره الببلاوى لم ينشأ بنفس الطريقة التلقائية ولكن من
خلال نظرية «الاشتراكية العلمية»، بل وصفها بأنها اقرب إلى المذاهب
الدينية. وبينما عد الببلاوى كتابات الفيلسوف الالمانى اليسارى كارل ماركس
بمثابة «الكتاب المقدس» للاشتراكيين، اعتبر كل منظرى الرأسمالية، كآدم
سميث، مجرد مفسرين لهذا النظام التلقائى يحاولون ضبطه.
إلا أن
الببلاوى فى سرده لتطور العلاقة بين اقتصاد السوق والدولة ساق العديد من
الامثلة على دور اليسار فى تعظيم دور الدولة الاجتماعى لتحسين حياة
المواطنين، حيث اشار إلى أن قيام الاتحاد السوفييتى وبروز نفوذ الاحزاب
العمالية فى الدول الصناعية الغربية، ساهما فى توسيع مفهوم المساواة بحيث
لا تقتصر على المساواة فى الفرص، بمعنى المساواة امام القانون فى الحقوق
والواجبات، إلى المساواة فى نتائج العملية الاقتصادية ذاتها، من خلال
الانظمة الاجتماعية الغربية التى ضمنت الحدود الدنيا فى الاجور وتزايد تدخل
الدولة لتوفير الضمان الاجتماعى، كما ساهم وصول الاحزاب العمالية للحكم فى
عدد من الدول الرأسمالية فى خلق دور اجتماعى للسياسات المالية، من خلال
بنائها على اساس توزيع الموارد فى المجتمع بما يحقق العدالة الاجتماعية،
وهو الطابع الاجتماعى للرأسمالية الذى شدد الببلاوى على ضرورة ملازمته
للرأسمالية «فاقتصاد السوق دون دولة قوية وقادرة وكفء هو كسيارة تسير بلا
كوابح فى طريق بلا علامات أو اشارات للمرور».
وبالرغم من أن
الببلاوى اعتبر أن تخطيط الاقتصاد وتدخل الدولة فى توزيع الموارد
واستخداماتها من ابرز سمات الاقتصاد الاشتراكى، إلا انه يشير فى موضع اخر
من الكتاب إلى أن تجارب الدول النامية تظهر اهمية التدخل الحكومى فى النشاط
الاقتصادى، نظرا إلى أن القطاع الخاص بها يكون محدود الافق وأن اهتماماته
عادة تنحصر فى التنمية العقارية إن لم يكن المضاربات مع اشكال من المشروعات
سريعة الارباح والعوائد المالية، «وهكذا فإنه لا يمكن الاعتماد على هذا
القطاع وحده لتحقيق التنمية».
وبناء على تلك العلاقة الجدلية بين
اليمين واليسار تطورت العلاقة بين السوق والدولة، بحيث يكون للسوق الحرة
دور هام فى تقديم الحوافز للانتاج والربح، وفى المقابل تتكفل الدولة بحماية
المنافسة، كما تقدم الخدمات والسلع العامة والصناعات الاستراتيجية التى لا
تقدر المنشآت الخاصة على توفيرها.
الا أن رؤية الببلاوى التى تحاول
أن تقدم صورة متوازنة بين اطلاق قوى السوق والثقة فى مفهوم ادم سميث
الشهير عن «اليد الخفية» التى تضبط الوضع من خلال آليات العرض والطلب، وبين
تدخل الدولة لتوفير الدعم والخدمات العامة وتحقيق التنمية التى لا يقدر
القطاع الخاص على تحقيقها، لم تقدم تصورا واضحا عن كيفية اعادة هيكلة
العلاقة بين القوى الاجتماعية المختلفة فى مجتمعات تعيش ظروف التحول
الديمقراطى مثل مصر، وما هى الحقوق والواجبات العادلة التى يجب أن يلتزم
بها المواطنون ورجال الاعمال بعد الثورة، وذلك بالرغم من اعترافه بأن
الديمقراطية ينشأ عنها نوع من التوتر بين ما تقتضيه من المساواة السياسية
وبين رغبة الرأسمالية فى «التفاوت فى الحظوظ الاقتصادية»، وهو التناقض الذى
يخلق «خطر سيطرة الرأسماليين على الديمقراطية».
والملفت للنظر أن
الببلاوى اكد فى كتابه على «ضرورة الانفصال والاستقلال التام بين رجال
المال من ناحية ورجال السلطة من ناحية اخرى، حيث إن مثل هذا التحالف أو
التواطؤ سيكون مخربا لكل من السياسة والاقتصاد وعبئا عليهما معا»، ولكنه
بعد توليه منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية، وخلال فترة ترشيح
وزراء حكومة شرف الثانية، تم ترشيح رجل الاعمال احمد فكرى لوزارة الصناعة
والتجارة الخارجية، وهو الترشيح الذى تم التراجع عنه لاحقا.