مباراة الضرائب العقارية .. بين الحرس القديم والجديد
سمر الجمل - [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] خرج مشروع قانون الضريبة العقارية من
أروقة الحزب الوطنى، قبل أكثر من عامين، لكن علاقة الحزب به لم تنته. فبعد
موافقة مجلس الشعب عليه وبدء تنفيذه، بدأ الجدل الشعبى والإعلامى المناهض
للقانون، وهنا عاد الحزب الحاكم للدخول على الخط، لينتهى الأمر بتصريحين
للرئيس مبارك، قال فى الأول إن القانون لايزال قيد الدراسة، وتساءل فى
الثانى عن موارد الموازنة الصعبة، فى حالة إعادة النظر فى القانون.«كان
الأمر أشبه بمؤتمر جماهيرى، بدأ الفلاحون يسألون الرئيس عن الضرائب على
الأراضى الزراعية، فرد عليهم قائلا: مفيش زيادة»، هكذا يروى حمدين صباحى
نائب مجلس الشعب عن بلطيم والذى كان حاضرا لقاء الرئيس مبارك بمجموعة من
الفلاحين ذلك اليوم فى كفر الشيخ.
ثم انتقل الرئيس بالحديث عن
الضرائب الزراعية إلى الضرائب العقارية والقانون الجديد «رغم أن فى
المحافظة كلها تقريبا لا يوجد من ينطبق عليه دفع هذه الضريبة العقارية»،
كما يشرح النائب عن حزب الكرامة (تحت التأسيس). وهذا ما يدعوه للاعتقاد أن
الأمر لم يكن أبدا مرتجلا من الرئيس مبارك..
فما الذى جعل الرئيس يعلن عن تعديل قانون عقب صدوره مباشرة، أى بعد خروجه من مجلس الشعب وبدء وزارة المالية فى تطبيقه؟
كيف انقلب الرئيس على القانون الذى خرج من رحم حزبه الحاكم وباركه هو بتوقيعه؟
لم يكد يمضى سوى 20 يوما، دون إجابات واضحة، حتى تحدث الرئيس بكلام آخر فسره المحللون على أنه «تأييد واضح للقانون».
خلال
جولته بمعرض الكتاب، دارت بين الرئيس مبارك والصحفى وعضو مجلس الشعب مصطفى
بكرى مناقشة، وصفها من شهدوها بأنها كانت «ساخنة». الأمر بدأ أيضا بسؤال،
لكنه جاء هذه المرة على لسان الرئيس، الذى سأل بكرى عن «همبكة» الصحفيين
حول الضريبة العقارية. فتحدث النائب، الذى تقدم للبرلمان باقتراح لتعديل
القانون، عن «الدعوات لإلغاء الضريبة عن المسكن الخاص».
لكن تعليق
الرئيس مبارك، جاء بلا شك داعما للقانون. «هنجيب فلوس منين. دخل الضرائب
العقارية نحتاجه للخزانة العامة، وإزاى نعفى القصور والفيلات من هذه
الضريبة؟».
فما الذى حدث ذلك اليوم أو قبله بقليل ليجعل رئيس
الجمهورية ينتقد ثم يؤيد الضرائب العقارية؟ أحد من رجال الحزب الوطنى الذى
تحدثت إليهم «الشروق» لم يتمكن من إعطاء «الإجابة» أو تقديم «التفسير».
الكل تحدث عن سبب ضمن مجموعة أكبر من الأسباب.
«الرئيس بيقرا جرايد
وبيشوف برامج، وقد أحس أن نبض المجتمع غير راض عن قانون الضرائب
العقارية»، هكذا قال أحد كبار الحزب الوطنى دون أدنى تردد تعليقا عن
تصريحات كفر الشيخ، رجل الوطنى الذى تحدث لـ«الشروق» طالبا عدم ذكر اسمه
قال: «وزير المالية كان فى الخارج والإعلام يقود حملة جبارة (ضد القانون)
ومن الواضح أن الأمر كان محل دراسة ومراجعه فى ذهن الرئيس. وفى النهاية هو
رئيس الجمهورية ومن حقه طلب التعديل».
نفس الفكرة صاغها بعبارات
أخرى منير فخرى عبدالنور، سكرتير عام حزب الوفد. «رد فعل المجتمع كان قوى
ومحسوس ومسموع وكان تدخل الرئيس استجابه لهذا الأنين. لماذا استمع لهذا
الأنين ولم يستمع لآخر قبله؟ لا أعلم».
يعتقد قيادى آخر بالوطنى،
من الجيل الجديد، إن فكرة القانون هى «فكرة عادلة» لكن الطريقة التى
اتبعتها وزارة المالية فى التطبيق هى التى تسببت فى المشكلة، لذا وجب
التدخل شكل أو بآخر.
بطرس غالى أخطأ إذن، هكذا تم الترويج خصوصا أن
الرجل كان فى رحلة علاجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، سمحت بتعدد
التصريحات وتضاربها.
بين عز وغالى لكن
غالى لم يكن يعزف خارج النوتة. وفقا لما علمته الشروق من مصادر داخل الحزب
الوطنى ومن داخل مجلس الشعب، فإن دراسة المشروع تمت على مستويين. بطرس
غالى وزير المالية استعان بمستشاريه وببعض مكاتب الخبرة الأمريكية وخبراء
مصريين ودرس قانون الضرائب العقارية فى عدد كبير من الدول. وفى نفس الوقت
قام المكتب الفنى التابع لأحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب
بدراسة نماذج من دول أخرى. تلاقى غالى وعز ليحمل المشروع فى النهاية ختم
أمانة السياسات بالوطنى.
والرجلان تربطهما روابط خاصة جدا، فالاثنان فى
حالة بحث دائمة ودءوبة عن موارد لسد عجز الموازنة العامة للدولة. وبتعبير
منير فخرى عبدالنور «عز وغالى أذكياء جدا ويحترمان ذكاء بعض، وفى أحيان
نادرة يصطدم الذكاء ببعضه».
وهذه المرة لم يحدث الصدام، اختلفا فقط
على نقطة واحدة هى جدول تحديد قيمة الضريبة. أحمد عز أراد إرفاقه بالقانون
فى حين كان بطرس غالى يريد الاكتفاء بضمه للائحة التنفيذية. وفى النهاية
تمت إضافة الجدول إلى الصفحة 18 من القانون، نزولا على رغبة أمين التنظيم.
الصدام
كان موجودا ولكن فى منطقة أخرى أيضا داخل الحزب الوطنى. صراع قد يندرج تحت
ما عرف تقليديا بالحرب الخفية بين بالجيل الجديد والحرس القديم، بمعنى
أمانة السياسات التى يرأسها جمال مبارك، نجل الرئيس ومجموعته وبين الجناح
الآخر الذى يضم صفوت الشريف، الأمين العام للحزب، وزكريا عزمى، الأمين
العام المساعد للشئون المالية والإدارية ورئيس ديوان رئيس الجمهورية، ووجوه
أخرى يبدو البعض منها فى اتجاهه للصعود بعد أن انزوى لسنوات فى الظل مثل
كمال الشاذلى.
الصراع هذه المرة أخذ مسميات جديدة «يمين ويسار»،
«تكنوقراط وسياسيين»، «رجال أعمال ورجال دولة»، لكنه فى النهاية يصل إلى
نفس النقطة «القديم والجديد».
والصراع هذه المرة لم يخرج كذلك
للعلن كما هى عادة الحزب الوطنى الذى يردد كل من فيه أن «لا صراعات داخلية
وإنما اختلافات فى الرؤى تناقش بشكل ديمقراطى داخل الحزب». الأكيد أن هذا
«الصراع» أو «الاختلاف فى الرؤى» لم ينزلق بعد إلى المنحنى الحاد.
أحد
قيادات الحزب الوطنى، الذى تحدث لـ«الشروق» مفضلا عدم الإفصاح عن اسمه،
كشف عن أن «الأمين العام (أى صفوت الشريف) طالب أكثر من مرة بالتريث فى
التعامل مع موضوع الضرائب العقارية».
«صفوت الشريف وزكريا عزمى هما
المسيسان فى الحزب فى اعتقاد أعضائه نفسهم. أما الآخرون فـ«رجال أعمال
مالهمش فى السياسة ــ يعملوا مشاكل والرئيس يتدخل ويتدارك الأمر»، فى
اعتقاد النائب المستقل طلعت السادات، الذى تقدم بمشروع تعديل على القانون
لإعفاء المسكن الخاص من الضريبة، ووافقت عليه لجنة الاقتراحات والشكاوى
بمجلس الشعب.
وفى مجلس الشعب لم يتردد رئيسه فتحى سرور، المنتمى
للحزب الوطنى، فى دعوة النواب، منذ دخول المشروع إلى المجلس قبل عامين،
لدراسة القانون «دراسة متأنية»، وعدم التسرع فى الموافقة عليه. وهو ما فسره
نواب الشعب على أنه «رفض صريح» من رجل القانون المحنك للمشروع الذى خرج من
بين أصابع «أبنائه» فى الوطنى. والنتيجة أن مشروع القانون دخل المجلس فى
ديسمبر 2007، وخرج منه قانونا فى يونيو 2008.
عودة الحرس القديم
«جيل
المجددين وقع فى شباك أصحاب الخبرة والمحنكين سياسيا داخل الحزب»، هذا ما
يعتقده على الأقل قيادى آخر بالحزب الوطنى، فضل أيضا عدم ذكر اسمه. وفى ظن
الرجل الأمر بدأ مع ما أطلق عليه «التصريح المقصود لصفوت الشريف فى جريدة
الأهرام»، عقب اجتماع المجلس الأعلى للسياسات قبل بداية العام الجديد بأيام
قليلة.
فى ذلك العدد، نسبت الجريدة لصفوت الشريف قوله إن الرئيس
مبارك هو مرشح الحزب فى الانتخابات الرئاسية القادمة. عنونت الأهرام للخبر
ضمن عناوينها الرئيسية قبل أن تعود لترفعه من الطبعة الثانية وتحتفظ
«بكلمات» الشريف فى نص الموضوع.
حسام بدراوى عضو أمانة السياسات
والذى كان حاضرا لهذا الاجتماع قال فى وقت لاحق فى حديث أجرته معه «الشروق»
إنه لم يسمع الرجل الثانى يقول هذا الكلام و«لم يحدث أمامى نقاش حول مرشح
الوطنى للرئاسة».
اللافت أن الخبر الرئيسى للأهرام تحت هذه
العناوين كان مخصصا لتصريحات جمال مبارك خلال مؤتمر صحفى، عقب الاجتماع،
قال فيه إن «الوقت لايزال مبكرا للحديث عن مرشح الرئاسة فى 2011». واللافت
بشكل أكبر أن الشريف لم يخرج لينفى ما نسب إليه من تصريحات أقل ما توصف به
أنه شديدة «الحساسية».
هل هى عودة جيل كان قد بدأ يتنازل، كرها أو
طوعا، عن صلاحيات لصالح جيل آخر، يلقى دعما ربما لأن من يمثله هو نجل
الرئيس؟ هل هى محاولة لاستعادة زمام قيادة تركت «لشباب الحزب»؟. الإشارات
بتراجع تأييد الرئيس مبارك للدور السياسى لنجله الأصغر لم تعد منعدمة.
يقول
أحد أعضاء الوطنى، الذى انضم إلى الحزب بالتوازى مع دخول جمال مبارك
لصفوفه، «أصبح هناك يقين لدى الجيل الجديد فى الحزب بأن فرصة تولى هذا
الجيل القيادة قد ألغيت، أو على الأقل أُرجئت إلى 6 سنوات أخرى»، فى إشارة
ذات مغزى إلى «سيناريو التوريث»، خصوصا أن التكهنات ترجح أن الجيل القديم
نجح فى إقناع الرئيس مبارك بالترشح لفترة رئاسة سادسة، لقطع الطريق أمام
البرادعى وآخرين، «باعتبار أن خوض جمال الانتخابات لن يضمن بقاء السلطة فى
أحضان الحزب الوطنى».
الضريبة وعام الانتخابات قد
تبدو العلاقة هامشية أو منعدمة بين كل هذه الأشياء. فما الرابط بين
المستقبل الرئاسى لمصر وأجيال تتعاقب فى الحزب الوطنى والضريبة العقارية؟
هى علاقة وثيقة، فى نظر رجل الوطنى «الشاب».
«الحرس القديم يحاول
إلغاء فكرة التشريع والتنفيذ التى يقوم بها الجيل الجديد. ويروج، وهذا ليس
خطأ تماما، أن فرض ضرائب جديدة لا ينظر إليه الناس مطلقا باعتباره أمرا
إيجابيا، خصوصا أننا فى عام انتخابات». و2010 سيكون بالمثل عاما صعبا جدا
من الناحية الاقتصادية. «آثار الأزمة العالمية سيظهر عندنا والدليل تراجع
الصادرات وانخفاض عوائد قناة السويس»، كما يعتقد منير فخرى عبدالنور مضيفا:
«بالتالى سترتفع أسعار السلع خصوصا وارداتنا من القمح والذرة والسكر».
بمعنى آخر مزيد من الاحتقان.
يعتقد عضو الوطنى أن الحرس القديم نجح
فى أن «يُظهر أمام الرئيس أنه لايزال أمام الجيل الجديد الكثير ليتعلمه
للإلمام بالدستورية وقياس اتجاهات الرأى العام». لكن يبدو أن الجيل الجديد
لن يسلم الراية سريعا.
«اللوبى المناهض للقانون كاد يقنع الكل أن
الضرائب العقارية سيكون لها تأثير سلبى على الاستثمارات السياحية فى مصر»،
كما يقول أحد أعضاء اللجنة الاقتصادية بالوطنى، لكن جمال، نجل الرئيس، تحدث
مع والده فى «بعض النقاط»، كانت نتائجها ما جاء فى تصريحاته فى معرض
الكتاب.