جزرة بشرية.. هي التي قادتني إلى كشف أسرار فئة ''خطيرة'' من المواطنين الذين يتغلغلون في قلب المناطق العشوائية والشعبية، وهم ''الهنجرانية''.
أما المجزرة فقد وقعت بمنطقة "دار السلام" قبل أيام قليلة، نتج عنها 8
قتلى وعشرات المصابين، وعندما حاولت استطلاع الأمر من أهالي المنطقة، عرفت
منهم أن "الهنجرانية" هم من قاموا بهذا الأمر، بسبب اختلافهم حول تقسيم
الغنائم التي حصلوا عليها بالسرقة والبلطجة، وهي كثيرة بسبب الفوضى الأمنية التي تعيش فيها مصر حاليا.
السرقة والنهب
قررت الكشف عن طبيعة عمل "الهنجرانية"، بعد أن عرفت (منهم) أنهم السبب وراء أغلب عمليات السرقة والنهب التي حدثت وتحدث حاليا.
وكانت البداية عندما ذهبت إلى المنطقة التي شهدت المجزرة الأخيرة (دار
السلام)، ووجدت أنهم يقيمون في شكل تجمعات داخل بيوت وعشش قديمة ومتهالكة،
ولم يترددوا في الحديث معي، لان قلبهم جامد - حسب تعبيرهم - "ومبيخفوش من
حد" خاصة في ظل غياب الشرطة.الأصول الهندية
في البداية.. التقيت مع أحد شيوخ "الهنجرانية" ويدعى "المنسي" - والذي
يتجاوز عمره الثمانين عاما - وأوضح أن "الهنجرانية" ينتشرون على أطراف عدة
مناطق أبرزها (دار السلام والمطرية والبساتين وعزبة الهجانة والإمام
الشافعي وغيرها) وهم عبارة عن قبائل وعائلات حضروا من بلاد الهند إلى مصر
قبل 200 عام، وعندما حضروا كانوا قبيلة واحدة ولكن توزعوا بمرور الزمن على
مناطق عدة، ولكن تبقى علاقات الود والمصاهرة موجودة بينهم.
نشل المتظاهرين وسرقة محلات الذهب
وأضاف "المنسي" أن العمل الأساسي والوحيد للهنجرانية هو السرقة والنشل،
ويقوم به السيدات أما الرجال فيقتصر دورهم على تقديم المساعدة لهن فقط،
ولكن الأمر اختلف منذ بداية الثورة - باعتبارها ظرف وموسم عمل استثنائي -
وحدوث غياب أمني، حيث خرج الرجال والسيدات والأطفال من الهنجرانية للقيام
بعملهم في سلب كل ما يجدوه في طريقهم، واشهر عمليات السرقة التي قاموا بها
هي الاشتراك في الاستيلاء على محتويات "كارفور المعادي" وسرقة محلات الذهب،
علاوة على القيام بعمليات فرض الإتاوات على السيارات التي تمر على الطريق
الدائري، وكذلك ممارسة عمليات نشل للمتظاهرين في ميدان التحرير.
السرقة شرف
"السرقة شرف ومش عيب، واللي ميسرقش مينفعش يعيش معانا".. هكذا بادرتني إحدى
فتيات الهنجرانية وتدعى "شيماء" موضحة أن أبناء الهنجرانية يتوارثون هذا
العمل جيلا بعد جيل، ومن يرفض هذا الأمر لا يستحق العيش وسط عالم
الهنجرانية، وقد يصل الأمر إلى قتل الفتاة التي ترفض السرقة، وكذلك إذا
قررت الزواج من خارج القبيلة.
وقالت:" ما نعتبره عيبا هو أن تعمل الفتاة في الدعارة أو تجارة المخدرات، ونحرص على أداء الصلوات وصيام شهر رمضان".
وأشارت "شيماء" إلى أنهم يقيمون الأفراح عند ولادة الأنثى، لأنها ثروة
كبيرة، على اعتبار أنها التي تخرج للعمل بالسرقة والنشل، ويساعدها الرجل في
عمليات الاستطلاع والمراقبة وتحديد الهدف المقصود سرقته فقط، ويحرص الآباء
والأمهات على تعليم أطفالهم فنون السرقة منذ الصغر.
أسرار المهنة
وأضافت أن أسرار العمل لا تخرج سوى للهنجرانية، خاصة أنهم ينظرون إلى شخص
من خارج قبيلتهم على اعتبار أنه "فلاح" ولا يمتلك مهاراتهم ولا ذكائهم،
وقالت انهم يقومون بتعليم الفتاة فنون العمل بمجرد بلوغها سن العاشرة،
وتكون البداية بتعليم الطفلة نشل بعض الفاكهة من السوق، ثم بعد ذلك تبدأ
مرحلة التدريب على سرقة النقود وبعدها سرقة الذهب، علاوة على الجانب النظري
الذي تتعلمه الطفلة من فتيات وسيدات القبيلة للإلمام بكل فنون السرقة
والنشل، ولذلك يرتفع سعر مهر الفتاة ويزيد الإقبال على الزواج منها كلما
أظهرت كفاءة في عملها
بالنشل المواصلات العامة
والهنجرانيات يسرقن أي شيء، ولكن التي تعتبر ذات كفاءة عالية هي المتخصصة
في سرقة المصوغات الذهبية من أيد الضحايا في المواصلات العامة بطريقة القص
بآله حادة مصنوعة خصيصا لهذا الغرض، كما يشكل الهنجرانيات فيما بينهم
عصابات لسرقة محلات الذهب، ويتم التخطيط لها في وجود شيخ القبيلة الذي يحدد
الإختصاص حسب المهارة، ويباشر تنفيذ الخطة حتى عودة المنفذات بسلامة.
نشل الحجاج
أما "سلامة" - احد أبناء الهنجرانية - فقد لفت إلى أن تواجد الهنجرانية لا
يقتصر على مصر فقط بل أنهم ينتشرون في بعض الدول العربية مثل سوريا
والأردن، ويلتقون ببعضهم البعض في عدد من مواقع العمل التي تجمعهم مثل
السعودية، حيث يعتبر الحج موسم عمل للهنجرانية ويسافرون لنشل الحجاج.
لغة ورموز خاصة
وقال أن للهنجرانية لغة خاصة بهم مثل الشفرة فمثلا كلمة (لاموها) تعني
حكومة ،(لمو) وتعني ضابط ،(شبلة) تعني ذهب وكلمة (وادو) تعني فلوس
و(مزنارة) تعني ساعة وغيرها من الرموز التي يستخدموها في عملهم حتى لا
يفهمها غيرهم.
كما ان هناك فرق بين النشالة الهنجرانية والأخرى الفلاحة، فالفلاحة لا
تستطيع ان تمارس عملها سوى في الأماكن المزدحمة فقط، أما الهنجرانية فلديها
مهارات خاصة تجعلها تعمل في كل الظروف.
أساليب السرقة
"كل عائلة من الهنجرانية لها أسلوبها الخاص في السرقة".. هذا ما أوضحته
إحدى الهنجرانيات وتدعى "حكمت" فعائلة " الخيش " تحترف النشل عن طريق
التسول، فترتدي الفتاة الملابس الرثة وتستوقف أي شخص بالشارع لتحدثه عن مرض
زوجها ومعانتها في تربية الأبناء، وغالبا ما تكون بجوارها إحدى بناتها
لتقوم بنشل الزبون لحظة إنشغاله بسماع تفاصيل الحدوتة.
أما عائلة "السوالم " فهم يسرقون بإستخدام الحيوانات خاصة القرود، وأماكن
نشاطهم يتركز في الضواحي والأقاليم مستغلين سذاجة بعض الأهالي، وهناك نوع
من الهنجرانيات يقع نطاق عملهن بالمطارات ويتخصصن في نشل شنط المسافرين .
الصراع على الغنائم
وأضافت أن غياب الأمن زاد من نشاط عمل الهنجرانية بشكل غير مسبوق، حيث
استطاعوا أن يجمعوا اكبر قدر من المسروقات خاصة المتعلقة بمحلات الذهب التي
تتركز في منطقة الحسين وشوارع شبرا وغيرها.
ولفتت إلى أن ذلك الأمر كان سببا للاشتباكات بين أبناء الهنجرانية، بسبب
رغبة كل عائلة في الحصول على نصيب الأسد من الغنائم والاستحواذ على مناطق
النفوذ التي يمارسون فيها أعمالهم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] م.