الدعوة إلى الله بين الفن والرسالة

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الدعوة إلى الله بين الفن والرسالة


سعد الدين الهلالي

الفن هو المهارة التى يحكمها الذوق والموهبة، كما يُطلق على
مجموعة القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة معينة. تقول: فن فلان فناً أى كثر
تفننه، فهو فنان فيما تخصص فيه.

أما الرسالة فهى البعث والبلاغ والنشر والتعليم، كما تُطلق على الدعوة إلى وحى السماء.. تقول: أُرسل الرسول أى بعثه برسالة.

وقد جعل الله تعالى الدعوة إليه رسالة ولم يجعلها فناً حتى لا
يتخذها الناس مهنة أو حرفة أو صنعة، فتتنوع فيها الأهواء، كما نرى فى
الآونة الأخيرة صنوفاً من نُظم الدعوة الحرفية بعضها بفن التكفير وبعضها
بفن الألسنة الحداد وبعضها بفن الصراخ وبعضها بفن الغيبة والنميمة وبعضها
بفن التغنى فى الخطابة، وهكذا يُبدع أهل الحرف والصنائع.

أما الدعوة إلى الله بنظام الرسالة فتعنى الإبلاغ الأمين للآخرين
دون الوصاية عليهم أو الاستعلاء على المخالفين أو ملاحقتهم. وقد أنزل الله
تعالى ذلك فى كتابه حتى يقطع على المغالين المزايدة عليه من باب قوله
تعالى: «قل أتعلمون الله بدينكم» (الحجرات: 16)، فقال سبحانه مبيناً نظام
الرسالة فى الدعوة إليه: «يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً
ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً» (الأحزاب: 45-46). ويؤكد
القرآن الكريم مهمة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى مواضع أخرى منها قوله
تعالى: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» (الكهف: 29)،
وقوله تعالى: «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر» (الغاشية: 21-22).

والدعوة إلى الله تعالى بنظام الرسالة الإبلاغية ليست حكراً على أحد
وإنما هى جزء من إيمان كل مسلم، ومشروطة باتباع منهج الحكمة وحُسن الخُلق
اللائق بهذا الدين ليسعى الناس إليه وليس لحمل الناس عليه؛ لأن الداعى إلى
الله ليس فزاعة وإنما هو المرغب والمحبب إلى طريق الله كما قال سبحانه:
«ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» (النحل:
125).

لقد كان اصطفاء النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) ليكون رسولاً إلى
الناس فى خاتم رسالات الله وأكملها إلى الأرض لما يتميز به من حسن الخلق
وأعلاه الذى قال الله عنه: «وإنك لعلى خلق عظيم» (القلم: 4). ومن هذا
الخُلق ما أخرجه أبوداود بإسناد صحيح عن عائشة قالت: كان النبى (صلى الله
عليه وسلم) إذا بلغه عن الرجل الشىء لم يقل: ما بال فلان. ولكن يقول: «ما
بال أقوام يقولون كذا وكذا». إن الدين العظيم يحتاج إلى خُلق عظيم يستوعب
أهل المعصية قبل أهل الطاعة، وأهل الضعف قبل أهل القوة، وأهل الغضب قبل أهل
الحلم، وأهل الجهل قبل أهل العلم؛ حتى يتحقق مراد الله تعالى فى شريعته
بإقبال الناس عليها طوعاً لا كرهاً، وهذا لا يكون إلا برحمة الدعاة وحُسن
خُلقهم كما قال تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين» (الأنبياء: 107).

إن الذين حرّفوا رسالة الله الإبلاغية إلى مهنة حرفية فنية يدخلها
الاحتكار والتنافس فى حشد الأتباع والمريدين قد عادوا الله ورسوله باسم
الدعوة إليهما لمناقضة النظام الحرفى أو المهنى فى الدعوة إلى الله مع حق
التكريم الإنسانى المنصوص عليه فى قوله سبحانه: «ولقد كرّمنا بنى آدم»
(الإسراء 70). وهذا التكريم يقتضى أن يكون الدين دعوة أو رسالة أو بلاغاً
وليس مهنة أو حرفة أو فناً، فقد ذكر المواق فى كتابه «التاج والإكليل» أن
عيسى (عليه السلام) كان يقول: «إن الله يحب العبد يتخذ المهنة يستغنى بها
عن الناس، ولا يحب العبد يتخذ الدين مهنة».