[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الإمام الغزالى
نحرص جميعا على اتباع كتيب التعليمات الذى يأتى مع الأجهزة التى نبتاعها، لأن من صنعها هو الأقدر على معرفة كيفية تشغيلها واستعمالها، فما بالك برب الحياة الخبير بدروبها ومتاهتها، الذى وضع رسما لمعالم الطريق إذا التزمه الأحياء لم يضلوا، فلماذا نعرض عنه؟ هكذا شرح لنا الإمام محمد الغزالى -رحمه الله- فى كتاب «100 سؤال عن الإسلام» كيف أن الحدود حق
وإقامتها -بصورتها الشرعية- مطلوبة إلى آخر الدهر، موضحا أن الإسلام حين يضع عقوبة،
فإنه ينظر إلى حقيقتين أولاهما أن الإنسان ليس ملاكا معصوما، ومن ثم لا نستغرب وقوع الخطأ منه،
وإذا أخطأ فلا ينبغى أن نقمعه بوحشية، وإظلام حاضره ومستقبله، وأن الشارع الأعظم يعلم هذه الطبيعة،
ويمهد لها طريق التوبة «والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما (٢٧)
يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا (٢٨)» (النساء).
والحقيقة الأخرى أن كل إنسان يجب أن يعيش آمنا فى سربه، وافرا فى دمه وماله وعرضه،
وانحرافات المخطئين لا يجوز أن تتحول إلى وباء يعصف بالأمن ويجتاح الحرمات،
وقد يعذر العاصى ويلتمس له الدواء، لكنه لا يأذن أبدا للجريمة أن تعكر الصفو وتنشر الخوف.
ومن أجل ذلك وضع الحدود ودرأها بالشبهات، ووقفها بالتوبة إذا رأى القاضى أن من تورط فيها ثائر على
نفسه نادم على سقطته، وأن عودته إليها مستبعدة، لكن إذا اضطرب حبل الأمن
أو رأى القاضى أن المذنب قاس أو مخوف الغدر،
فإن الحفاظ على المجتمع يوجب الضرب على يده وحماية الناس من شره.
مشيرًا إلى أن الحدود المقررة تعد على الأصابع، فالله يعلم ضعفنا ويتجاوز كثيرا عن هفواتنا
ولو أخذ المرء بأول عثراته ما نجا أحد من عقابه، «ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة» (النحل: 61)،
فإنه يمهل ويمهل حتى إذا فاض الإناء فضح وألم، وذلك ما أشار إليه عمر عندما استغاثته امرأة
«يا أمير المؤمنين، ابنى سرق وهذه أول مرة»، فقال لها: «كذبت إن الله لا يفضح عبده لأول مرة».
كما جاء عن أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- قالت: «قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ادرؤوا الحدود عن المؤمنين ما استطعتم، فإن كان له مخرج خلو سبيله،
فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة».
ويفند الغزالى الحدود المقررة بقوله: «حد السرقة هو قطع اليد،
ولكن لم يقل أحدا أن الجائع تقطع يده إذا سرق ما يقوته،
إنما يقطع يد البطال المعتدى على كسب الآخرين وكدحهم، أما المسلحون المتعاونون على الإثم والعدوان
وقطع الطرق وإشاعة الفوضى فإن قتلهم حق، بقى أن نقول إن عقوبة الزنى صعبة التنفيذ،
فالمجىء بأربعة شهود يرون وقوعها يكاد يكون مستحيلا! ومن ثم ما يقال عن قسوتها ضرب من الهراء،
ونستبين ذلك من أحوال المجتمعات التى تركتها، التى تنتشر فيها الجرائم بلا رادع،
ولا يقر الأمان ولا يمنع الإجرام فى هذه البلاد إلا إقامة الحدود،
فقد تكون نجد والحجاز أقل حضارة من الولايات المتحدة،
بيد أن ظلام الإرهاب والإجرام والتوجس والفزع لا وجود له فى هذه الأجواء بسبب إقامة الحدود
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]