: الطريق التفصيلي في استدلال القرآن على توحيد الله سبحانه وتعالى: هذا الطريق يذكر فيه القرآن الرسل بأسمائهم، وكيف كان التوحيد رأس دعوتهم جميعًا؛ ومن ذلك:
1 - ما جاء في قصة نوح -عليه السلام- وهو أول
رسول من أولي العزم بُعث إلى أهل الأرض. قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ
مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 59).
2 - قال تعالى عن هود -عليه السلام: {وَإِلَى
عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 65).
3 - ونفس الألفاظ قال تعالى عن صالح -عليه
السلام: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 73).
4 - وهي الألفاظ التي جاءت على لسان شعيب -عليه
السلام. قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْم
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 85).
5 - أما إبراهيم -عليه السلام- فقد تحدَّث القرآن
بتفصيل وافر عن دعوته إلى النبوة، وتحدث القرآن عن دعوة إبراهيم بشتى
الصيغ والأساليب، في المواقف المتعددة والأحوال المختلفة، ولعل السر في
توسيع حديث القرآن عن إبراهيم -عليه السلام- أنه أبو الأنبياء الذين جاءوا
بعده -صلى الله عليه وسلم- وعلى الرسل أجمعين.
وكان اليهود والنصارى والعرب يعترفون بنبوته
وأبوته لهم، بل ويعتزون بالانتساب إلى إبراهيم -عليه السلام، ومن هنا توسع
القرآن في الحديث عن إسلامه ودعوته البليغة إلى التوحيد، ونبذ الشرك، وعن
محاوراته المفحمة للمشركين، وموقفه العملي الصارم من الأصنام، سخرية منها،
وتحطيمًا لها، وتبكيتًا لعُبَّادها. وبذلك تقوم الحجة على المنتسبين إليه
من اليهود والنصارى ومشركي العرب، الذين انحرفوا عن دين الحق، ووقفوا في
دروب من الوثنية الطامسة الدامسة، وبذلك تسقط دعواهم أنهم على دين إبراهيم،
كما قال تعالى ردًّا عليهم مجتمعين: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا
وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران: 67).
ويقول تعالى عنه وعن المؤمنين معه: {قَدْ كَانَتْ
لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ
قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَحْدَهُ} (الممتحنة: 4).
وكذلك يقول القرآن عن موسى -عليه السلام- وهو
يدعو إلى وحدانية الله: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى *
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (طه: 13،
14).
وكذلك يخبر القرآن عن عيسى -عليه السلام:
{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي
وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنْصَارٍ} (المائدة: 72).
ويخبر القرآن عن دعوة سيدنا محمد -صلى الله عليه
وسلم- إلى التوحيد. لقد بُعث سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة
العالمية الشاملة، وبالتقرير الأوفى، وبالبيان الأعلى في شأن الدين كله
عامة، والتوحيد منه خاصة. وقد أمده القرآن الكريم بأتمّ الحجج والبراهين،
وسجل أقاويل الكفار وردود الوحي عليها؛ حتى تكون حجة الله بالغة باهرة إلى
يوم الدين، وحتى لا تكون للناس على الله حجة بعد ختم النبوة؛ لأن القرآن
صوتها الممدود ونداؤها الموصول، وفيه أكمل حديث عن التوحيد تقريرًا
وإثباتًا، وردًّا على المشركين والملحدين، وإبطالًا للشرك وكل دروب الوثنية
والانحراف عن التوحيد.
ويكفي مثالًا لهذا ما أمره الله تعالى أن يقول
للناس في كلمات جامعة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ *
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
(الإخلاص: 1 - 4). فهذه السورة الكريمة على وجازتها جامعة لكل ما يليق
بالله تعالى وحده؛ من صفات الكمال: أحدية، استغناء، تنزيه له عن الشركاء
والأشباه، ثم هي مصححة لضلالات المشركين وأهل الكتاب في باب الاعتقاد.
إن الآية الأولى تثبت الوحدانية لله تعالى على
أبلغ الوجوه؛ لأن لفظ أحد أكمل من الواحد، ولذلك لا يوصف به إلا الله
تعالى. والآية الثانية بيان لأسباب أحديته؛ إذ إنه هو وحده السيد الكامل في
جميع صفاته وأفعاله، وهو المقصود في جميع الحوائج، وهو الغني عن كل شيء،
بل كل شيء محتاج إليه. والآيتان الثالثة والرابعة تقرير لهذه الأسباب
أيضًا؛ لأنه سبحانه متفرد عن الأصول والفروع، وما يلزمها من الصاحبة أُمًّا
أو زوجة، وكذلك هو متفرد عن الشبيه والمماثل، وإن لم يكن أصلًا أو فرعًا.
انظر تفسير سورة الإخلاص في تفسير البيضاوي والخازن وأبي السعود.
الربوبية والألوهية وصلتهما بالتوحيد
لقد تحدث القرآن الكريم طويلًا عن الربوبية
والألوهية، وأبطل كل ادعاء لأحدهما من دون الله، وأثبت أنه لا رب ولا إله
بحق إلا الله، وأوجب سبحانه على عباده أن يفردوه بهما معًا في التوحيد.
والرب شرعًا يطلق على معان، أجمعها:
1 - المربي الذي تعهَّد خلقه بالتنشئة والتربية
وقضاء الحاجات على معنى أنه هو المتصف بكل صفات التأثير، مِن خلق، رزق،
مُلك، إحياء، إماتة، تدبير، هداية ... إلى آخره.
2 - من معاني الربوبية: السيد المطاع النافذ الحكم.
أما الإله فيطلق على معانٍ، أجمعها:
1 - المعبود الذي يستحقّ وحده أقصى غايات التذلل
والخضوع، مِن صلاة، ذكر، حب، خوف، توكل، دعاء، نذر، وقسم به سبحانه وتعالى
... إلى آخره.
2 - من معاني الإله: المستعلي على عباده، الخليق بالطاعة فيما أمر ونهى.
وصف الألوهية:
وصف الألوهية والربوبية لله وصفان لا يفترقان، ومن هنا يتضح التلازم التام
بين الربوبية والألوهية، وأنهما لا ينفصلان من حيث الحقيقة الشرعية، ومن
حيث الوجود الواقعي؛ لما يأتي:
أولًا: لأنهما وصفان لذات واحدة، لا يوجدان في غيرهما، ولا يجتمعان في سواها، ولا يتحققان بمعناهما الصحيح إلا لله الواحد الأحد.
ثانيًا: لأنهما يجتمعان في معنًى مشترك بينهما،
وهو المعنى رقم 2 من كل منهما، وإن اختص كل منهما بمعنى خاص به، كما رأينا
في المعنى رقم 1.
الوحدانية والتوحيد، مجموع الأمرين: مجموع
الألوهية والربوبية، ومن هنا يتضح أيضًا أن الوحدانية تعني اتصاف الله
تعالى بالربوبية والألوهية جميعًا، والتوحيد يعني وجوب إفراده سبحانه
وتعالى بالأمرين جميعًا، فلا يقال: توحيد الربوبية هو كذا، ولا يقال: توحيد
الألوهية هو كذا؛ لأن التوحيد لا يقبل التجزئة أصلًا، حتى يقوم به أحد
الجزأين مقام الآخر في الإطلاق.
لذلك لا يصح أن يقال: التوحيد المضاف لأحد
الوصفين يقوم مقام الحقيقة الجامعة، ولا يصح أن يقال: هذا من باب المجاز؛
لأن المجاز لا يصار إليه في حقائق الاعتقاد.
أما من حيث الحقيقة الشرعية فالتوحيد: هو أن يؤمن
العبد بأن الله تعالى هووحده الرب، صاحب كل صفات التأثير والكمال، وأنه
لذلك هو وحده الإله المستحقّ للعبادة والطاعة بلا شريك، فإذا أقر العبد
بأحدهما فقط لم يكن موحدًا، وإنما يقال: هو مقر أو معترف بأحدهما، ولكن لا
يصح أن يسمى موحدًا؛ لأن التوحيد هو مجموع الأمرين معًا.
ولهذا لم يُطلق القرآن على الكفار أنهم موحدون
توحيد الربوبية، حين أقروا أن الله تعالى هو الخالق المالك الرازق، وإنما
سماهم كفارًا مشركين. قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} (يونس: 31). ثم يقول تعالى
بعد هذه الآية: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ
فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (يونس: 33، 34).
لقد سماهم القرآن كفارًا مشركين؛ لأنهم لم يأتوا
بحقيقة التوحيد الجامعة، وإنما أقروا بوصف منها، والتوحيد لا يقبل التجزئة
أصلًا، فمن أشرك في وصف فقد أشرك في الكل؛ لأنه لم يأت بحقيقة مسمى التوحيد
الشرعي الجامعة، ولذلك يقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48).
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
منتدى تعليمي لكل المراحل الدراسية من الكي جي إلى الثانوية العامة
ماما هنا