دين ودنيامجدي احمد علي
هل تأملت تشابه الحروف فى الكلمتين، والذى لا مثيل له فى أى لغة أخرى غير العربية؟!
فهم العرب الدين باعتباره حياة كاملة لا انفصال فيها ولا كهنوت، لم يعتبر حب الدنيا جريمة،
ولم يحبذ الانقطاع عنها، بل حرص فى كل الأوقات على سعادة الإنسان باعتباره وارثاً لملكوت الله
ومسئولاً عن صيانته، فلم يحمله على ما يكره أو يعجز عنه «ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به»،
ومنحه أقصى درجات الحرية لكى يكون مستحقاً للحساب «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»،
و«كل نفس بما كسبت رهينة». لم يأمرنا أن نطيع أحداً من خلقه «كالميت بين يدى مغسله»،
بل دعا إلى إعمال العقل الذى لولاه ما كان تمرد النبى (عليه الصلاة والسلام) على ما اعتاده قومه
وألفوه وقدسوه.. العقل المتجدد هو روح الإيمان الحق، وتمحيص الفكرة وتقليبها على وجوه العصر
شرط لإدراجها ضمن ما يؤمن به المرء الحر الجدير حقاً بإنسانيته.. لا تقليد لمن سلف من البشر،
ولا تقديس لأفكارهم، ولا توقف عند فهمهم، فالزمان يتغير والمكان يرادف ثقافات تختلف وتتباين،
ولكنها تتصالح على المبادئ الكلية التى هى روح كل الأديان وجل الحضارات.
كان «محمد» عليه الصلاة والسلام نبياً مختلفاً عن كل الأنبياء والرسل..
فموسى كان رسولاً لقومه فقط، حيث يخبرنا «العهد القديم» عن كراهية أنصاره لكل «الأغيار»،
وكان عيسى رسول محبة فى مواجهة جبروت قوة قيصر واليهود معاً،
فكان أن قال «ما لقيصر لقيصر وما لله لله» تاركاً عبء صناعة دولة لأنصاره ولمن أتى بعده،
فكان أن خالفوا أبسط قواعد دعوته وأراقوا من الدماء باسم «التبشير» ما يعجز التاريخ عن إحصائه،
أما نبى الإسلام فإنه كان الرسول والقائد، الداعية والزعيم،
صاحب النظرية والمسئول عن تطبيقها على أرض الواقع، لذلك حرص (سبحانه وتعالى)
على تذكيره دائماً بالفرق بين المهمتين «لست عليهم بمسيطر» وأنه ليس عليه إلا البلاغ المبين،
والرسول نفسه يقول: «ما أنا إلا بشر مثلكم يوحى إليه»، الوحى «القرآن»
هو فقط ما لا يجعله كباقى البشر.. الدعوة إلى دين الحق مهمة النبى المرسل،
أما قيادة الأمة فهذا شأن محمد الإنسان الذى يقول: «أنتم أدرى بشئون دنياكم»،
والذى لم يقبل صحابته رأيه فى معركة بدر لأنه ليس وحياً بل هو رأى إنسانى تمكن مناقشته،
بل ومخالفته. والوحى ذاته كان يأتى فى بعض الأحيان معاتباً للرسول (عبس وتولى)،
ومغلباً لرأى بعض الصحابة كعمر بن الخطاب، فالوحى الذى هو كلام الله يعلن لنا بكل جلاء
أنه لا تقديس لرأى فرد خاصة عندما يتعلق الأمر بشئون الدنيا النسبية والمتغيرة أبداً.
الدين مبادئ كلية تصلح لكل زمان ومكان تتعالى على التفاصيل والصغائر
ولا تقهر الناس على ما ترفضه الفطرة والعقل والمنطق.. المبادئ ثابتة،
وحيث يختلف البشر تتبين المقاصد العليا وتنتصر على كل جمود وتطرف وكراهية للبشر
الذين من أجلهم نزلت كل الأديان، والذين بفضل عقولهم انتصرت حضارات تدعو لإفشاء السلام
بين كل البشر بديلاً للإقصاء والقهر واحتكار الحقيقة،
بل واحتكار الدنيا كلها باعتبارها رجساً من عمل شيطان رجيم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]